(ولهذا ما عثر) أي، ما اطلع. (أحد من الحكماء والعلماء على معرفة النفس و حقيقتها، إلا الإلهيون من الرسل والأكابر من الصوفية. وأما أصحاب النظر و أرباب الفكر من القدماء والمتكلمين في كلامهم في النفس وماهيتها، فما منهم من عثر على حقيقتها، ولا يعطيها النظر الفكري أبدا.) لما بينا من أنه جسماني منغمس في الظلمات، عاجز عن رفع الوهم والشبهات.
(فمن طلب العلم بها) أي، بمهية النفس وحقيقتها. (من طريق النظر الفكري، فقد استسمن ذا ورم ونفخ في غير ضرم.) (الضرم) ما به يوقد النار.
(لا جرم أنهم من (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا). فمن طلب الأمر من غير طريقه، فما ظفر بتحقيقه.) كله ظاهر.
(وما أحسن ما قال الله في حق العالم وتبدله من الأنفاس في خلق جديد في عين واحدة. فقال في حق طائفة، بل أكثر أهل العالم: (بل هم في لبس من خلق جديد).
فلا يعرفون تجديد الأمر مع الأنفاس.) لما كان كلامه (رض) في الحكمة القلبية و بيان تقلبات القلب في عوالمه، وكان العالم أيضا لا يزال متقلبا في الصور، ذكر أنه في كل آن ونفس يتبدل صورة على العين الواحدة التي هي الجوهر، واستشهد بقوله تعالى: (بل هم في لبس من خلق جديد).
ولما كان هذا التبديل نوعا من أنواع القيامة - كما مر بيانه في المقدمات - وأهل النظر لم يشعروا بهذا، جعلهم بمثابة المنكرين بقوله: (فقال في حق طائفة) وهم أهل النظر. ثم عم بقوله: (بل أكثر العالم). أي، قال في حق أكثر العالم، و هم المحجوبون كلهم. وما التبس عليهم ذلك إلا بمشابهة الصور.
(لكن قد عثرت عليه الأشاعرة في بعض الموجودات وهي الأعراض.) (18)