شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٧٩١
(ولهذا ما عثر) أي، ما اطلع. (أحد من الحكماء والعلماء على معرفة النفس و حقيقتها، إلا الإلهيون من الرسل والأكابر من الصوفية. وأما أصحاب النظر و أرباب الفكر من القدماء والمتكلمين في كلامهم في النفس وماهيتها، فما منهم من عثر على حقيقتها، ولا يعطيها النظر الفكري أبدا.) لما بينا من أنه جسماني منغمس في الظلمات، عاجز عن رفع الوهم والشبهات.
(فمن طلب العلم بها) أي، بمهية النفس وحقيقتها. (من طريق النظر الفكري، فقد استسمن ذا ورم ونفخ في غير ضرم.) (الضرم) ما به يوقد النار.
(لا جرم أنهم من (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا). فمن طلب الأمر من غير طريقه، فما ظفر بتحقيقه.) كله ظاهر.
(وما أحسن ما قال الله في حق العالم وتبدله من الأنفاس في خلق جديد في عين واحدة. فقال في حق طائفة، بل أكثر أهل العالم: (بل هم في لبس من خلق جديد).
فلا يعرفون تجديد الأمر مع الأنفاس.) لما كان كلامه (رض) في الحكمة القلبية و بيان تقلبات القلب في عوالمه، وكان العالم أيضا لا يزال متقلبا في الصور، ذكر أنه في كل آن ونفس يتبدل صورة على العين الواحدة التي هي الجوهر، واستشهد بقوله تعالى: (بل هم في لبس من خلق جديد).
ولما كان هذا التبديل نوعا من أنواع القيامة - كما مر بيانه في المقدمات - وأهل النظر لم يشعروا بهذا، جعلهم بمثابة المنكرين بقوله: (فقال في حق طائفة) وهم أهل النظر. ثم عم بقوله: (بل أكثر العالم). أي، قال في حق أكثر العالم، و هم المحجوبون كلهم. وما التبس عليهم ذلك إلا بمشابهة الصور.
(لكن قد عثرت عليه الأشاعرة في بعض الموجودات وهي الأعراض.) (18)

(١٨) - والأشاعرة لم يتفطنوا بهذه المسألة عن طريق صحيح، إذ لم يعلموا أن التبدل في الأعراض وعدم بقائها زمانين تابع لوقوع الحركة، والتبدل في الجواهر. والشيخ الماتن قد أذعن بوقوع الحركة في الجواهر، وتفطن بالحركة الجوهرية، أو الخلق الجديد، من طريق الكتاب والسنة، ولهذا ما تصدى لبيان تصوير صحيح موجه في هذه المسألة. لأن إفاضة الصور على المادة والهيولي على سبيل ظاهر الخلق الجديد يلزم خلو المادة عن الصورة في آن، ويلزم انعدام الجسم من رأس وإيجاد الصور المادية الجسمانية على سبيل الإبداع.
واعلم، أن إثبات الحركة في جواهر الأشياء وذواتها يحتاج إلى تلطيف في النظر وتضلع في الحكمة النظرية مع تضلع تام في الذوقيات، والشيخ الأكبر وحيد في الذوقيات، وغير متدرب في الحكمة النظرية. وأما الدليل الذي أقامه الأشعرية في عدم بقاء العرض يكون أو هن من بيت العنكبوت. فالمصير إلى ما حققه سيدنا وشيخنا وقائدنا في المعارف الإلهية في الأسفار الأربعة. (ج)
(٧٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 786 787 788 789 790 791 792 793 794 795 796 ... » »»