شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٧٦٧
يرحم الحق إلا نفسه. فهو (راحم) في مقام جمع الأحدية، (مرحوم) في مقام التفصيل والكثرة. وإليه أشار بقوله: (وأما الإشارة من لسان الخصوص، فإن الله وصف نفسه ب‍ (النفس)، بفتح الفاء، وهو من باب (التنفيس)) أي، وصف لسان نبيه نفسه بأن له (النفس). وهو مأخوذ من (التنفيس)، لأنه إرسال الهواء الحار من الباطن، وإيراد الهواء البارد لترويح المتنفس عن الكرب، فالتنفس إنما يتنفس دفعا للكرب. فشبه النفس الإلهي بالنفس الإنساني.
وأضاف (الكرب) إليه لا من حيث إنه غنى عن العالمين، بل من حيث إنه رب لهم. وكربه طلب الأسماء الإلهية الباقية في الذات الأحدية بالقوة ظهورها و عيانها، فتنفس وأوجد أعيان تلك الأسماء، فظهرت الإلهية.
(وأن الأسماء الإلهية عين المسمى). أي، من حيث الوجود وأحدية الذات، وإن كانت غيرا باعتبار كثرتها. (وليس إلا هو). أي، وليس المسمى إلا عين هوية الحق، أو وليس ذلك النفس إلا عين الهوية السارية في الموجودات كلها.
(وإنها طالبة ما تعطيه من الحقائق). أي، وإن الأسماء طالبة وجود ما تعطى الحقائق الكونية للحق من الأحكام و الصفات الكونية. وفي بعض النسخ: (ما تعطيه من الحقائق). أي، وإن الأسماء طالبة للحقائق. و فاعل (تعطى) ضمير (الأسماء).
ويؤكد الثاني قوله: (وليست الحقائق التي يطلبها الأسماء إلا العالم، فالألوهية تطلب المألوه، والربوبية تطلب المربوب).
واعلم، أن الشيخ (رض) يستعمل في جميع كتبه (المألوه) ويريد به ( العالم). واللغة يقتضى أن يطلق على الحق، إلا في بعض معانيه. لأنه مشتق من (أله) وله معان متعددة:
يقال: أله، يأله، إلهة. أي، عبد عبادة، فالمألوه هو المعبود.
وثانيها، (الفزع) و (الالتجاء). يقال: أله إلى زيد. أي، إلتجاء إليه،
(٧٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 762 763 764 765 766 767 768 769 770 771 772 ... » »»