لأن الحق، من حيث أسمائه، والقلب وكل ما يطلق عليه اسم الشيئية، داخل فيها، والقلب لا يسع نفسه وإن وسع غيره من الحق والأعيان ومظاهرها. ولما كان القلب أيضا يسع نفسه من حيث الإحاطة العلمية، قال: (أو مساوية له في السعة. هذا مضى).
واعلم، أن الذي يسع كل شئ ثلاث: العلم، والرحمة، والقلب.
قال الله تعالى: (ربنا وسعت كل شئ). (رحمة وعلما) وأحاط بكل شئ علما، (وسعت رحمتي كل شئ). وقال: (ما وسعني أرضى ولا سمائي، ووسعني قلب عبدي المؤمن). ولما تكلم في سعة الرحمة جعلها أوسع أو مساويا للقلب، قال:
(هذا مضى).
(ثم، لتعلم أن الحق تعالى، كما ثبت في الصحيح، يتحول في الصور عند التجلي، فإن الحق تعالى إذا وسعه القلب، لا يسعه معه غيره من المخلوقات، فكأنه يملأه). يريد أن يبين اتساع القلب ويؤمي إيماء لطيفا إلى أصل يستند تقلب القلب إليه، وهو التحول الإلهي في صور تجلياته، كما ثبت في الحديث.
ولما كان التجلي بحسب استعداد المتجلى له، (8) فالقلب الذي يسع الحق لا يكون إلا لمن له استعداد جميع التجليات الإلهية الذاتية والأسمائية، وإذا وسعه، لا يسع معه غيره من المخلوقات - وذلك إما لفناء غير الحق عند تجليه في نظر المتجلى له، كما إذا تجلى بالأحدية، فإن الكثرة تضمحل وتفنى عنده فالمتجلى له لا يشعر لنفسه فضلا على غيره ولا يرى ذاته أيضا إلا عين الحق حينئذ، أو لاختفاء