شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٧٧٨
وجوديين، لكونهما محسوسين. وقولهم: (الظلمة عدم النور). رسم لها، إذا أريد بها المعنى الأول، باعتبار أن الظل يستلزمه. وإذا أريد بها المعنى الثاني، فحد لها.
(فمن يغفل عن هذا يجد في قلبه غمة) الغم بضم (الغين)، هو الكرب، ويستعمل في الظلمة مجازا. والمراد هنا الحجاب. ومنه (الغمام) أيضا، لأنه يستر الشمس. أي، ومن يغفل عن مقام الوحدة، تبقى في حجاب الكثرة وظلمتها، لأن الوحدة منبع النور، والكثرة منبع الظلمة.
(ولا يعرف ما قلناه سوى عبد له همة) أي، لا يعرف هذا المعنى إلا من له همة قوية: لا يقنع بظواهر العلوم، ولا يقف عند مبلغ علماء الرسوم من العلم، بل يقدر على خرق الحجب الناتجة (12) من كثرة الصور، ليصل إلى ما لا يصل إليه الفكر.
((إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب). لتقلبه في أنواع الصور والصفات. ولم يقل: لمن كان له عقل، فإن العقل قيد، فيحصر الأمر في نعت واحد، والحقيقة تأبى الحصر في نفس الأمر.) أي، السر في إسناد (الذكرى) إلى (القلب) هنا، وفي موضع آخر إلى (اللب) كقوله: (إن في ذلك لذكرى لأولى الألباب). و (اللب) هو القلب دون العقل، أن القلب لكونه محلا لتجليات مختلفة من الإلهية والربوبية وتقلبه في صورها، يتذكر ما نسيه مما كان يجده قبل ظهوره في هذه النشأة العنصرية، ويجد هنا ما أضاعه، كما قال، صلى الله عليه وسلم: (الحكمة ضالة المؤمن). والعقل، أي القوة النظرية، من شأنه أن يضبط الأشياء ويقيدها، فيحصر الأمر الإلهي، الذي لا ينحصر في نفسه، فيما يدركه، والحقيقة تأبى وتمنع

12 - أي، الحاصلة. (ج)
(٧٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 773 774 775 776 777 778 779 780 781 782 783 ... » »»