شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٧٧٢
الأغيار عند ظهور أنوار الحق في نظر المتجلى له، كاختفاء الكواكب عند طلوع الشمس مع بقاء أعيانها - ولما كانت السعة مقتضية للإثنينية - إذ لا يقال:
الشئ يسع نفسه - فسر بالمعنى الثاني: (ومعنى هذا) أي، ومعنى قولنا: (إذا وسعه القلب، لا يسع معه غيره)، (أنه إذا نظر إلى الحق عند تجليه له، لا يمكن معه أن ينظر إلى غيره). لاشتغال القلب بكليته إلى الله تعالى واختفاء الأغيار بنور الواحد القهار.
(وقلب العارف من السعة، كما قال أبو يزيد البسطامي: (لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس به).) لأن القلب يحصل له السعة الغير المتناهية عند تجلى من هو غير متناه. والعرش وما فيه، على أي مقدار يفرض، يكون متناهيا، ولا نسبة بين المتناهي وغير المتناهي.
(وقال الجنيد في هذا المعنى: (إن المحدث إذا قرن بالقديم، لم يبق له أثر، و قلب يسع القديم، كيف يحس بالمحدث موجودا).) هذا تأكيد لقول أبى يزيد قدس الله روحه. أي، أن الحق إذا تجلى، يفنى ما سواه، فلا يبقى لغيره وجود فضلا عن أثره. وإن قلنا إنه باق عند تجلى القديم، فكيف يحس بالمحدث قلب تجلى له الحق ونوره بأنواره وشغله لذاته؟
قوله (موجودا) حال من (المحدث). أو مفعول ثان لقوله: (يحس).
(وإذا كان الحق يتنوع تجليه في الصور، فبالضرورة يتسع القلب ويضيق بحسب الصورة التي يقع فيها التجلي الإلهي، فإنه لا يفضل عن القلب شئ عن صورة ما يقع فيها التجلي، فإن القلب من العارف أو الإنسان الكامل بمنزلة محل فص الخاتم من الخاتم لا يفضل، بل يكون على قدره وشكله من الاستدارة، إن كان الفص مستديرا، أو من التربيع والتسديس والتثمين وغير ذلك من الأشكال، إن كان الفص مربعا أو مسدسا أو مثمنا، أو ما كان من الأشكال. فإن محله من الخاتم يكون مثله لا غير). أي، إذا ظهر الحق في صور شؤونه المتنوعة وتجلى تجليا ذاتيا بما في الغيب المطلق، يتنوع بحسب استعدادات القلب، فيتسع، ويضيق بحسب الصورة التي وقع التجلي فيها، لأنها تهب للقلب استعدادا يناسبها وتجعله بحيث لا
(٧٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 767 768 769 770 771 772 773 774 775 776 777 ... » »»