شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٧
أستار طلعته لجلالة شأنه وعظمة قدره، فإنها حجب نورية. ولله سبعين الف حجاب من نور فهي مظاهر ذاته بوجه وحجب وجهه بوجه وان كان وجه مظهريتها له بعينه وجه حجابيتها له لأنها بذواتها مظاهره وبتعيناتها حجب له وتعيناتها نفس ذواتها. مثلا إذا تجلى الحق في الاسم العليم ويشهده المشاهد في ذلك الاسم ليس متجليا بعين ذلك التجلي في الاسم القدير ولا يشاهده المشاهد في هذا الشهود. وقد يزاد: ليس الاسم العليم مظهرا لقدرته بل يكون مظهرا لعلمه حجابا لقدرته ولساير كمالاته بل يكون حجابا لذاته لان ذاته كل الكمالات، كيف لا وعلمه بهذا الوجه غيره والغير حجاب الغير. والعلم أعظم الصفات وأكبرها ولذا قيل: العلم حجاب الله الأكبر. وإذا كان العلم حجابا مع كونه أشرف الأوصاف فساير الأوصاف بطريق أولى، لان شأن العلم الاعلان والاظهار وكونه حجابا أعجب من كون غيره حجابا.
فالأسماء كلها مظاهر جماله ومرايا كماله وكلها أستار وجهه وحجب ذاته الا انها حجب نورية. وانما قلنا: الأسماء مظاهره، لأنها تجليات ذاته بشؤونه وكمالاته و التجلي عين المتجلي لان تجلى الشئ ظهوره وظهور الشئ ليس غيره فان الغير حجاب الغير ولا يظهر به الغير. وأيضا كلامنا في ذاته تعالى. وذاته إذا تجلت تجلت بما فيها وليس فيها الا نفس ذاته فلا يتجلى الا نفس ذاته الأقدس: (قل كل يعمل على شاكلته). والاسم هو الذات الظاهرة بالصفة، فهو الظاهر والمظهر المعنى به ما به الظهور أو محل الظهور باعتبار. هذا وجه كون المظهر عين الظاهر واظهاره إياه. اما وجه كونها حجابات ذاته وأستار وجهه أيضا، وان أومأت إليه، فهو كونها تجليات ذاته لشؤونه وكمالاته الذاتية أيضا، وليست تجلى ذاته بنفس ذاته فإنه لنفس ذاته والتجلي إذا لم يكن بنفس ذات المتجلي، كما في التعين الأول، لا محالة يكون مرتبته دون مرتبة المتجلي فيخفى في مرتبة شئ عما في مرتبة المتجلي، غير ذلك لا يمكن ولا يكون. وإذا كان الامر كذلك، فهو حجاب المتجلي فيستر منه ما ليس في التجلي من المتجلي. وقد علمت وحدة جهتي الستر والظهور في التجلي، فما به الظهور فيه عين ما به الخفاء وبعين ما يرفع الحجاب عن المتجلي يحجبه. فالمظهر الغير التام عين الظاهر فيه بوجه غيره بوجه: عينه في مطلق الوجود غيره في تعينه. إذا تقرر هذا فنقول، الحقيقة الانسانية فقد عرفتها وعرفت انها العين الثابتة المحمدية مظهر الاسم الله ومتحد معه في الوجود اتحاد الماهية بوجودها الخاص بها، وهو ان الماهية عين الوجود في الخارج غيره في العقل، فالعقل الصادر عن اسم الله صادر عن مظهره كما ان العقل الصادر عن الوجود الخاص بالماهية صادر عن الماهية المتحدة به وينسب إليها، فيقال ضرب زيد ولا يقال ضرب وجود زيد. فموجودات العالم مظاهر الأسماء ومحال ولايتها ومحال ولاية الأسماء محل ولاية ذلك الاسم ومحل ولاية ذلك الاسم محل ولاية مظهره وهو حقيقة الانسانية، فالعالم محل ولاية حقيقة الانسانية ومظهرها. فان قلت، الوجود الخاص للماهية وجود خارجي لها لعله لذلك يستند إليها فان ما صدر عن الوجود الخارجي لشئ ما صدر عنه لان الوجود منسوب إليه. واما العقل الصادر عن الاسم الله لا يجب ان يسند إلى مظهره لأنه وان كان متحدا به الا انه موجود بالوجود العلمي وليس ذلك الوجود الأسمى الإلهي بوجود خارجي لتلك الحقيقة الانسانية فليس قياسها إليه قياس الماهية بالوجود الخاص بها. أقول، يجب ان تعلم ان قياس العين الثابتة إلى الاسم الظاهر فيها بالماهية إلى وجودها لا فارق له، بان يكون الوجود للماهية خارجيا وللعين الثابتة وجودا ذهنيا. وتحقيق المقام: ان الأعيان الثابتة صور الأسماء الإلهية، وهي للأسماء كالأبدان للأرواح لا كالصور المعقولة للعاقل، فوجود الأسماء عين وجود الأعيان لا انها موجودا ت ذهنية و يكون الأشياء كالمعقولات الذهنية للعاقل حتى ينسب العقل إلى العاقل دون المعقول بل هي تعينات الأسماء وبها يتمايز بعضها عن بعض. كما ان الماهيات تعينات الوجودات وبها يتمايز بعضها عن بعض، ولا شك ان الشئ باعتبار تعينه يفعل ولذلك يقال زيد قام و عمرو قعد ولا يقال الوجود قام وقعد. فالوجودات الإلهية الأسمائية ليست الا وجودات للأعيان الثابتة في العلم الإلهي التي هي صور أسمائه، ويكون حيث ذلك الوجود حيث الظهور والعلمية، لا ان الأعيان الثابتة موجودة بوجود ذهني لا يترتب عليه آثارها بل هي موجودة بوجوداتها التي هي عين وجود الأسماء وتلك الوجودات وجودات شامخة الهية، ليست بخارجة عن وجود الحق الأول. حيثها حيث الظهور والانكشاف لا الحجب و الخفاء، وهذا معنى قولهم: الأعيان الثابتة موجودة بوجودات علمية. وليس معناه انها موجودة، بوجودات ذهنية لا يترتب عليها الآثار.
نقد وتلخيص: الأعيان الثابتة تعينات الأسماء الإلهية، والتعين عين المتعين في العين غيره في العقل كما ان الماهية عين الوجود في الخارج وغيره في العقل. فالأعيان الثابتة عين الأسماء الإلهية والأسماء الإلهية تجليات لاسم الله باعتبار واجزاؤه باعتبار آخر. فالأعيان الثابتة تجليات لاسم الله باعتبار واجزاؤه باعتبار، فهي تجليات للحقيقة الانسانية باعتبار و اجزائه باعتبار آخر، لان الحقيقة الانسانية عين ذلك الاسم الجامع لاتحاد التعين والمتعين، فالعين الثابتة الأحمدية التي هي الحقيقة الانسانية وهي الحقيقة المحمدية هي المتجلية في صورة الأسماء والأعيان في عالم الأسماء والأعيان الثابتة، والعالم بمعنى ما سوى الله هو صورة الأسماء ومظهرها، فهو صورة الحقيقة الانسانية ومظهرها. لأنا قلنا، ان الأسماء و الأعيان تجليات تلك الحقيقة باعتبار وأجزاؤها باعتبار، وصورتها صورة تلك الحقيقة و مظهرها. فالحقيقة المحمدية هي التي تجلت في صورة العالم والعالم، من الذرة إلى الدرة، ظهورها وتجليها وتلك الحقيقة مجملة في عالم الأسماء عند كونها تعينا ومظهرا لذلك بمعنى الذات، ومفصلة عند كونها تعينا له بمعنى الذات مع الصفة، ولذلك يكون العالم انسانا كبيرا وانسانا صغيرا: كبيره صورة تفصيلها وصغيره صورة اجمالها. وان شئت قلت، كبيره صورة صغيره، كما ان الاسم الله التفصيلي صورة اجماله في عالم الأسماء، فانظر ما ترى هل ترى ان اسم الله الجامع لجميع الأسماء صورة الحقيقة المحمدية وهي التي تجلت في ذلك الاسم، ما نجدك من الغافلين بعد ما ذكرناه. فكل ذرة من ذرات الوجود الامكاني من الأزل إلى الأبد جزء من اجزاء تلك الحقيقة باعتبار تفصيلها وتجل من تجلياتها باعتبار اجمالها. والهيكل المسمى بمحمد بن عبد الله، صلى الله عليه وآله، صورة اجمالها.
فالحقيقة المحمدية هي التي تجلت في أسمائه تعالى، والأعيان الثابتة في عالم الأسماء وفي الموجودات العالمية في عالم الأعيان ولذلك قال الله تعالى: (ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). والصلاة من الله ومن الملائكة ومن المؤمنين جميعا بمعنى واحد وهو طلب الرحمة لأنها حقه عليهم ومجازاتهم له، صلى الله عليه وآله. هذا ما جرى على لسان القلم والله اعلم. فان قلت، إذا كان اسم الله والعين الثابتة المحمدية متحدين في العين فلم أسند العالم إلى تلك العين ولم يسند إلى ذلك الاسم.
أقول، العين الثابتة تعين ذلك الاسم والشئ يفعل بتعينه، فالمتجلي في الملك والملكوت والجبروت واللاهوت تلك الحقيقة باذن الله وخلافته، والله هو الملك الحق المبين. (من إفادات الأستاذ ميرزا محمد رضا، دام ظله العالي)