المكاشفات المعنوية فيكون أعلى مرتبة وأكثر يقينا، لجمعها بين الصورة والمعنى، و له مراتب بارتفاع الحجب كلها أو بعضها دون البعض، فان المشاهد للأعيان الثابتة في الحضرة العلمية الإلهية أعلى مرتبة من الكل وبعده من يشاهدها في العقل الأول وغيره من العقول ثم يشاهدها في اللوح المحفوظ وباقي النفوس المجردة ثم في كتاب المحو والاثبات ثم في باقي الأرواح العالية والكتب الإلهية من العرش والكرسي والسماوات والعناصر والمركبات، لان كلا من هذه المراتب كتاب إلهي مشتمل على ما تحته من الأعيان والحقايق. وأعلى المراتب في طريق السماع سماع كلام الله من غير واسطة كسماع نبينا، صلى الله عليه وسلم، في معراجه و في الأوقات التي أشار إليها بقوله: (لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب و لا نبي مرسل). كسماع موسى، عليه السلام، كلامه تعالى، ثم سماع كلامه بواسطة جبرئيل، عليه السلام، كسماع القرآن الكريم ثم سماع كلام العقل الأول وغيره من العقول ثم سماع كلام النفس الكلية والملائكة السماوية والأرضية على الترتيب المذكور والباقي على هذا القياس. ومنبع هذه الأنواع من المكاشفات هو قلب الانسان بذاته وعقله المنور العملي المستعمل لحواسه الروحانية، فان للقلب عينا وسمعا وغير ذلك من الحواس كما أشار إليه سبحانه بقوله: (فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) و ( ختم الله على قلوبهم (7) وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة). و في الأحاديث المشهورة ما يؤيد ذلك كثير. وتلك الحواس الروحانية أصل هذه الحواس الجسمانية فإذا ارتفع الحجاب بينها وبين الخارجية يتحد الأصل مع الفرع فيشاهد بهذه الحواس ما يشاهد بها (8). والروح يشاهد جميع ذلك بذاته لان هذه الحقايق متحد في مرتبته كما مر من ان الحقايق كلها في العقل الأول متحدة. وهذه المكاشفات عند ابتداء السلوك أولا يقع في خياله المقيد ثم بالتدريج وحصول الملكة ينتقل إلى لعالم المثالي المطلق فيطلع على ما يختص بالعناصر ثم السماوات، فيسري صاعدا إلى ان ينتهى إلى اللوح المحفوظ والعقل الأول - صورتي أم الكتاب - ثم ينتقل إلى حضرة العلم الإلهي فيطلع على
(١٠٩)