شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١١
الفرع بالأصل فحصل له أعلى المقامات من الكشف. ولما كان كل من الكشف الصوري والمعنوي على حسب استعداد السالك ومناسبات روحه وتوجه سره إلى كل من أنواع الكشف - وكانت الاستعدادات متفاوتة والمناسبات متكثرة - صارت مقامات الكشف متفاوتة بحيث لا يكاد ينضبط. وأصح المكاشفات و أتمها انما يحصل لمن يكون مزاجه الروحاني أقرب إلى الاعتدال التام كأرواح الأنبياء والكمل من الأولياء، صلوات الله عليهم، ثم لم يكون أقرب إليهم نسبة. وكيفية الوصول إلى مقام من مقامات الكشف وبيان ما يلزم كل نوع منها يتعلق بعلم السلوك ولا يحتمل المقام أكثر مما ذكر.
وما يكون للمتصرفين في الوجود من أصحاب المقامات والأحوال كالاحياء والإماتة وقلب الحقايق كقلب الهواء ماء وبالعكس وطي الزمان والمكان وغير ذلك، انما يكون للمتصفين بصفة القدرة. والأسماء المقتضية لذلك عند تحققهم بالوجود الحقاني اما بواسطة روح من الأرواح الملكوتية واما بغير واسطة بل بخاصية الاسم الحاكم عليهم (18). فافهم.
تنبيه في الفرق بين الالهام والوحي ان الالهام قد يحصل من الحق تعالى بغير واسطة الملك (19) بالوجه الخاص الذي له مع كل موجود، والوحي يحصل بواسطته. لذلك لا يسمى الأحاديث القدسية بالوحي والقرآن وان كانت كلام الله تعالى. وأيضا، قد مر ان الوحي قد يحصل بشهود الملك وسماع كلامه فهو من الكشف الشهودي المتضمن للكشف المعنوي، والالهام من المعنوي فقط. وأيضا، الوحي من خواص النبوة لتعلقه بالظاهر والالهام من خواص الولاية (20). وأيضا هو مشروط بالتبليغ دون الالهام. والفرق بين الواردات الرحمانية والملكية والجنية والشيطانية يتعلق بميزان السالك المكاشف (21)، ومع ذلك نؤمي بشئ يسير منها. وهو ان كل ما يكون سببا للخير بحيث يكون مأمون الغايلة في العاقبة ولا يكون سريع الانتقال إلى غيره ويحصل بعده توجه تام

(18) - لعله إشارة إلى الفرق بين السالك والمجذوب. (غلامعلى) (19) - وان كان له واسطة أخرى كالاسم الحاكم عليه. 12 (20) - لأنه من حيث ولايته له الالهام ومن حيث نبوته له الوحي، والولي له الالهام فقط. 12 (21) - واعلم، ان الواردات والأحوال، بناء على ما ذكره شارح المنازل، قد تكون صحيحة وقد تكون فاسدة. وقد يختلط صحيحها وفاسدها ويشتبه فيها الحق بالباطل فليحقق تصحيحها وليميزها وينفى الفاسد فيجتهد في إثبات الصحيحة بالعلم والمعرفة والتمسك بالعلامات والعوارض والآثار التي يبقى بعدها. فان الواردات والأنوار والهواتف والأمثلة والأشخاص التي تأتيه وتظهر عليه من الجانب الأيمن يكون حقة غالبا. والتي تأتيه وتبدو له من الجانب الأيسر تكون باطلة غالبا. واما العوارض فالتي يصحبها الروح والطمأنينة واجتماع الهم مع الحق والسكون وجمعية الباطن فهي حقة. والتي يصحبها القلق والاضطراب والوحشة والتفرقة بالباطن والكرب والوسواس فهي باطلة. واما الآثار فكل وارد يبقى بعد انقشاعه وانفراغه في القلب سرور وفرح وكان للانسان عقيبه نشيطا في الطاعة نشوان قويا، كان ملكيا. وكل ما يبقى بعد زواله كرب وغم وكان الانسان بعده كسلان خبيث النفس مائلا إلى النوم كان شيطانيا. وكل وارد يبقى بعد انفصاله في القلب معرفة بالله ويتجدد بعده يقين فهو إلهي. وقد تحقق ذلك بالتجربة مما ينكشف عن أمرها بعد انفصالها. ويقرب من ذلك علم الخواطر، فان كل خاطر معه سلطنة وغلبة لا ينتفى بالنفي وكثرة الذكر ويزداد قوة ولا يزال بتكرر فلم يكن فيه حظ للنفس فهو إلهي حقاني. وكلما يبعث على الخير ويحذر عن الشر فهو ملكي، وكلما يبعث على الشر والمعصية ومخالفة حكم الحق فهو شيطاني، وكلما يبعث على اللذة والشهوة فهو نفساني، والميزان هو العلم. وكل ما خرج عن الاستقامة فليجتهد صاحب الحال في تصحيحه.
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 107 108 109 110 111 112 117 117 118 119 ... » »»