الفرع بالأصل فحصل له أعلى المقامات من الكشف. ولما كان كل من الكشف الصوري والمعنوي على حسب استعداد السالك ومناسبات روحه وتوجه سره إلى كل من أنواع الكشف - وكانت الاستعدادات متفاوتة والمناسبات متكثرة - صارت مقامات الكشف متفاوتة بحيث لا يكاد ينضبط. وأصح المكاشفات و أتمها انما يحصل لمن يكون مزاجه الروحاني أقرب إلى الاعتدال التام كأرواح الأنبياء والكمل من الأولياء، صلوات الله عليهم، ثم لم يكون أقرب إليهم نسبة. وكيفية الوصول إلى مقام من مقامات الكشف وبيان ما يلزم كل نوع منها يتعلق بعلم السلوك ولا يحتمل المقام أكثر مما ذكر.
وما يكون للمتصرفين في الوجود من أصحاب المقامات والأحوال كالاحياء والإماتة وقلب الحقايق كقلب الهواء ماء وبالعكس وطي الزمان والمكان وغير ذلك، انما يكون للمتصفين بصفة القدرة. والأسماء المقتضية لذلك عند تحققهم بالوجود الحقاني اما بواسطة روح من الأرواح الملكوتية واما بغير واسطة بل بخاصية الاسم الحاكم عليهم (18). فافهم.
تنبيه في الفرق بين الالهام والوحي ان الالهام قد يحصل من الحق تعالى بغير واسطة الملك (19) بالوجه الخاص الذي له مع كل موجود، والوحي يحصل بواسطته. لذلك لا يسمى الأحاديث القدسية بالوحي والقرآن وان كانت كلام الله تعالى. وأيضا، قد مر ان الوحي قد يحصل بشهود الملك وسماع كلامه فهو من الكشف الشهودي المتضمن للكشف المعنوي، والالهام من المعنوي فقط. وأيضا، الوحي من خواص النبوة لتعلقه بالظاهر والالهام من خواص الولاية (20). وأيضا هو مشروط بالتبليغ دون الالهام. والفرق بين الواردات الرحمانية والملكية والجنية والشيطانية يتعلق بميزان السالك المكاشف (21)، ومع ذلك نؤمي بشئ يسير منها. وهو ان كل ما يكون سببا للخير بحيث يكون مأمون الغايلة في العاقبة ولا يكون سريع الانتقال إلى غيره ويحصل بعده توجه تام