مثلكم يوحى إلى). وبقوله: (وانه لما قام عبد الله يدعوه). فسماه عبد الله تنبيها على انه مظهر لهذا الاسم دون اسم آخر. ونبه بالجهة الأولى بقوله: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى). فأسند رميه إلى الله. ولا يتصور هذه الربوبية الا باعطاء كل ذي حق حقه وإفاضة جميع ما يحتاج إليه العالم. وهذا المعنى لا يمكن الا بالقدرة التامة والصفات الإلهية جميعها فله كل الأسماء يتصرف بها في هذا العالم حسب استعداداتهم. ولما كانت هذه الحقيقة مشتملة على الجهتين: الإلهية والعبودية لا يصح لها ذلك أصالة بل تبعية وهي الخلافة فلها الاحياء والإماتة واللطف والقهر والرضا والسخط وجميع الصفات ليتصرف في العالم وفي نفسها و بشريتها أيضا لأنها منه. وبكاؤه، عليه السلام، وضجره وضيق صدره لا ينافي ما ذكرنا فإنه بعض مقتضيات ذاته وصفاته. (ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض) من حيث مرتبته وان كان يقول: أنتم اعلم بأمور دنياكم، من حيث بشريته. والحاصل، ان ربوبيته للعالم بالصفات الإلهية التي له من حيث مرتبته وعجزه ومسكنته وجميع ما يلزمه من النقايص الإمكانية من حيث بشريته الحاصلة من التقيد والتنزل إلى العالم السفلى ليحيط بظاهره خواص العالم الظاهر وبباطنه خواص العالم الباطن فيصير مجمع البحرين ومظهر العالمين. فتنزله أيضا كماله (2) كما ان عروجه إلى مقامه الأصلي كماله، فالنقايص أيضا كمالات باعتبار آخر يعرفها من تنور باطنه وقلبه بالنور الإلهي. و لما كانت هذه الخلافة واجبة من الله تعالى (3)، في العالم بحكم (ما كان لبشر ان يكلمه الله الا (4) وحيا أو من وراء حجاب) وجب ظهور الخليفة في كل زمان من الأزمنة ليحصل لهم الاستيناس ويتصف بالكمال اللايق به كل من الناس كما قال سبحانه: (ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا (5) وللبسنا عليهم ما يلبسون). و ظهور تلك الحقيقة بكمالاتها أولا لم يكن ممكنا فظهرت تلك الحقيقة بصور خاصة كل منها في مرتبة لائقة باهل ذلك الزمان والوقت حسب ما يقتضيه اسم الدهر في ذلك الحين من ظهور الكمال وهي صور الأنبياء، عليهم السلام. فان اعتبرت تعيناتهم وتشخصاتهم لغلبة احكام الكثرة والخلقية عليك حكمت بالامتياز
(١٢٨)