شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٢٨
مثلكم يوحى إلى). وبقوله: (وانه لما قام عبد الله يدعوه). فسماه عبد الله تنبيها على انه مظهر لهذا الاسم دون اسم آخر. ونبه بالجهة الأولى بقوله: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى). فأسند رميه إلى الله. ولا يتصور هذه الربوبية الا باعطاء كل ذي حق حقه وإفاضة جميع ما يحتاج إليه العالم. وهذا المعنى لا يمكن الا بالقدرة التامة والصفات الإلهية جميعها فله كل الأسماء يتصرف بها في هذا العالم حسب استعداداتهم. ولما كانت هذه الحقيقة مشتملة على الجهتين: الإلهية والعبودية لا يصح لها ذلك أصالة بل تبعية وهي الخلافة فلها الاحياء والإماتة واللطف والقهر والرضا والسخط وجميع الصفات ليتصرف في العالم وفي نفسها و بشريتها أيضا لأنها منه. وبكاؤه، عليه السلام، وضجره وضيق صدره لا ينافي ما ذكرنا فإنه بعض مقتضيات ذاته وصفاته. (ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض) من حيث مرتبته وان كان يقول: أنتم اعلم بأمور دنياكم، من حيث بشريته. والحاصل، ان ربوبيته للعالم بالصفات الإلهية التي له من حيث مرتبته وعجزه ومسكنته وجميع ما يلزمه من النقايص الإمكانية من حيث بشريته الحاصلة من التقيد والتنزل إلى العالم السفلى ليحيط بظاهره خواص العالم الظاهر وبباطنه خواص العالم الباطن فيصير مجمع البحرين ومظهر العالمين. فتنزله أيضا كماله (2) كما ان عروجه إلى مقامه الأصلي كماله، فالنقايص أيضا كمالات باعتبار آخر يعرفها من تنور باطنه وقلبه بالنور الإلهي. و لما كانت هذه الخلافة واجبة من الله تعالى (3)، في العالم بحكم (ما كان لبشر ان يكلمه الله الا (4) وحيا أو من وراء حجاب) وجب ظهور الخليفة في كل زمان من الأزمنة ليحصل لهم الاستيناس ويتصف بالكمال اللايق به كل من الناس كما قال سبحانه: (ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا (5) وللبسنا عليهم ما يلبسون). و ظهور تلك الحقيقة بكمالاتها أولا لم يكن ممكنا فظهرت تلك الحقيقة بصور خاصة كل منها في مرتبة لائقة باهل ذلك الزمان والوقت حسب ما يقتضيه اسم الدهر في ذلك الحين من ظهور الكمال وهي صور الأنبياء، عليهم السلام. فان اعتبرت تعيناتهم وتشخصاتهم لغلبة احكام الكثرة والخلقية عليك حكمت بالامتياز

(2) - قوله: فنزوله أيضا كماله... انك تعلم من الحكمة المتعالية انه تعالى، تام الذات كامل الحقيقة ومن لوازم كونه تاما ان يكون فوق التمام. ومعنى كونه فوق التمام ان يتنزل في جميع مراتب الامكان من منازل التقديس والتشبيه، فلو خلى منه مرتبة من المراتب لم يكن تاما كامل الذات، فكونه في المراتب السافلة من كماله وتماميته، فاتصافه تعالى، في مراتب النزول بصفات السافلات كماله ليكون الوصف كمال الموصوف. ثم انه قد ظهر من كلام الشارح ان الحقيقة المحمدية، صلى الله عليه وآله، هي خليفة الله ولها الربوبية المطلقة، فهي السارية في مراتب الوجود من الاعلى إلى الأدنى ثم من الأدنى إلى الاعلى، وكما ان نقايص الإمكانية كمالات له تعالى، كذلك هي كمالات لتلك الحقيقة. لست أقول، النقائص الإمكانية كمالات لذاته، بل أقول هي كمالات له تعالى في مراتب نزوله المشار إليها بقوله: (هو معكم أينما كنتم)، أي في أي مرتبة تكونون. ثم اعلم، ان النقايص الإمكانية كمالات لتلك الحقيقة في صورتي الاجمال والتفصيل، أي في ظهوره في صورة الانسان الكبير وظهوره في صورة الانسان الصغير. وانها هي الظاهرة بالتفصيل ويقال لها العالم والانسان الكبير، والظاهرة بالاجمال ويقال لها آدم والانسان الصغير، فاجزاء العالم اجزاؤه وافراد آدم افراده، وفي الافراد كامل وأكمل كالأنبياء والرسل والأوصياء و الأولياء على تفاوت درجاتهم. والكامل المطلق هو المسمى بمحمد بن عبد الله خاتم الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وآله، فإنه أكمل افراد هذا النوع وأكمل آحاده، وهو المظهر التام لتلك الحقيقة بل هو نفس تلك الحقيقة الظاهرة في الأرواح والأجسام ويسمى بالانسان الكبير والانسان الصغير، ولذلك يكون الطامة الكبرى وبه يكون الساعة، والله يهدى السبيل. (الأستاذ دام ظله) قوله: (هذه الخلافة واجبة من الله تعالى...) اعلم، انه تعالى، لما كان تاما وجب كونه فوق التمام، ولما كان فوق التمام وجب نزوله إلى أدنى مراتب الامكان، وهو مرتبة القوة الصرفة والهيولي القابلة لكل الصور ليرجع إليه تعالى وليكمل بذلك الرجوع، فوجب عليه تعالى، ارجاعها إليه بحسب جوده وكرمه وعدله واحسانه، والعناية الأولى تقتضي ان يهديها إلى سواء السبيل بالدين القويم والطريق المستقيم، وبحكم (ما كان لبشر ان يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب). وجب ظهور الحقيقة في كل زمان من الأزمنة كما ينبه الشارح، وبذلك يثبت العقل والشرايع والأنبياء والرسل والخلفاء والأوصياء. ويجب في العناية الأولى ظهور خاتم الأنبياء والمرسلين عند تمام الاستعداد لايصال تلك القوة إلى كماله الأقصى وغايتها القصوى. فيجب ان يكون الخاتم رسول الله وخليفته في السماوات والأرضين. ويجب ان يكون خليفته في حكمه. ويجب في العناية الأولى ان ينص ذلك الخاتم على خلافة خليفته ووصايته. وباتفاق المسلمين ما نص على خلافة أحد غير على بن أبى طالب، عليه السلام، فلم يبق غيره أحد ليحتمل كونه منصوصا عليه بالخلافة، فيجب ان يكون هو منصوصا عليه بالخلافة. وانما قلنا، يجب في العناية الأولى ذلك النص ليكون مدينة الوجود مدينة فاضلة كما هو مقتضى العناية الأولى. (من الامتاد محمد رضا، سلمه الله تعالى) (3) - والأحاديث الثقلين المنقولة عن طرق إخواننا، أهل السنة والجماعة، على سبيل التواتر تدل على وجود امام معصوم على سبيل تجدد الافراد وان قائمهم خاتمهم، أي بوجوده، أرواحنا فداه، يختم الولاية التي كانت على قلب محمد والعالم باق بوجود هذا الخاتم. و إذا فك وزال من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض وانتقل الامر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا، ولذا كان ظهوره، عليه أفضل صلوات الله، من اشراط الساعة. ولما كان بمنزلة نفس رسول الله قال: صلى الله عليه وآله وسلم: (انا والساعة كهاتين). وان بوجوده، عليه السلام، تقوم القيامة ولذا ورد في شأن على (ع) هو النبأ العظيم. قال الشيخ الأكبر: (ان لله خليفة...). وقال في دوائره الجفرية: (إذا دار الزمان على حروف ببسم الله فالمهدي قاما. ويظهر بالحطيم عقيب صوم الا فاقرأه من عندي السلاما). أي تسليمي بأنه خاتم الولاية المطلقة وذلك المعنى للسلام مقصوده، فافهم والا (سخن را روى با صاحبدلان است). 12 (4) - أي، الا بثلاثة أوجه: اما بوصوله إلى مقام الوحدة والفناء فيه ثم التحقق بوجوده في مقام البقاء فيوحى إليه بلا واسطة كما قال الله تعالى: (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى)، أو من وراء حجاب بكونه في حجاب القلب ومقام تجليات الصفات فيكلمه على سبيل المناجاة والمكاشفة دون الرؤية لاحتجابه بحجاب الصفات كما كان حال موسى عليه السلام، أو يرسل رسولا من الملائكة فيوحى إليه على سبيل الالقاء والنفث في الروع كما قال، عليه السلام: (ان روح الأمين قد نفث في روعي).
(تفسير للشيخ الكاشاني) (5) - أي، لجسدناه لان الملك نور غير مرئي بالبصر، وهم الظاهريون لا يدركون الا ما كان محسوسا، وكل محسوس فهو جسيم أو جسماني ولا صورة تناسب الملك الذي ينطق بالحق حتى يتجسد فيها الا الصورة الانسانية: اما لكونه نفسا ناطقة تقتضي هذه الصورة، واما لوجوب وجوده الجنسية التي لو لم تكن لما أمكنهم السماع منه. (واخذ القول من تفسير الشيخ).
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 117 118 119 127 128 129 130 131 137 138 ... » »»