شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٢٩
بينهم والغيرية وبكونهم غير تلك الحقيقة المحمدية الجامعة للأسماء لظهور كل منهم ببعض الأسماء والصفات. وان اعتبرت حقيقتهم وكونهم راجعين إلى الحضرة الواحدية بغلبة احكام الوحدة عليك حكمت باتحادهم ووحدة ما جاؤوا به من الدين الإلهي كما قال تعالى: (لا نفرق بين أحد من رسله). فالقطب الذي عليه مدار احكام العالم وهو مركز دائرة الوجود من الأزل إلى الأبد واحد باعتبار حكم الوحدة وهو الحقيقة المحمدية، صلى الله عليه وآله. وباعتبار حكم الكثرة متعدد.
وقبل انقطاع النبوة قد يكون القائم بالمرتبة القطبية نبيا ظاهرا كإبراهيم، صلوات الله عليه، وقد يكون وليا خفيا كالخضر في زمان موسى، عليهما السلام، قبل تحققه بالمقام القطبي. وعند انقطاع النبوة أعني نبوة التشريع باتمام دائرتها وظهور الولاية من الباطن انتقلت القطبية إلى الأولياء مطلقا فلا يزال في هذه المرتبة واحد منهم قائم في هذا المقام لينحفظ به هذا الترتيب والنظام، قال سبحانه: (ولكل قوم هاد). وان من أمة الا خلا فيها نذير). إلى ان ينختم بظهور خاتم الأولياء وهو الخاتم للولاية المطلقة (6) فإذا كملت هذه الدائرة أيضا وجب قيام الساعة باقتضاء الاسم الباطن والمتولد من الباطن والظاهر الذي هو الحد الفاصل بينهما ظهور كمالاته واحكامه فيصير كل ما كان صورة معنى وكل ما كان معنى صورة. أي يظهر ما هو مستور في الباطن من هيئات النفس على صورها الحقيقية و يستتر الصور التي احتجبت المعاني الحقيقية فيها فيحصل صورة الجنة والنار و الحشر والنشر على ما أخبر عنه الأنبياء والأولياء، صلوات الله عليهم أجمعين.
تنبيه لا بد ان يعلم ان للجنة والنار مظاهر في جميع العوالم، إذ لا شك ان لهما أعيانا في الحضرة العلمية وقد أخبر الله تعالى، عن اخراج آدم وحوا، عليهما السلام، من الجنة فلها وجود في العالم الروحاني قبل وجودها في العالم الجسماني. وكذلك للنار أيضا وجود فيه لأنه مثال لما في الحضرة العلمية. وفي الأحاديث الصحيحة ما يدل على وجودهما فيه أكثر من ان يحصى، وأثبت رسول الله، صلى الله عليه و

(٦) - قال مولانا الملا محسن في عين اليقين: (لكل من النبوة والولاية اعتباران:
اعتبار الاطلاق واعتبار التقييد، أي العام والخاص. والنبوة المطلقة هي النبوة الحاصلة في الأزل الباقية إلى الأبد وهي اطلاع النبي المخصوص بها على استعداد جميع الموجودات بحسب ذواتها و ماهياتها واعطاء كل ذي حق حقه الذي يطلبه لسان استعداده من حيث الانباء الذاتي و التعليم الحقيقي الأزلي المسمى بالربوبية العظمى، وصاحب هذا المقام هو المسمى بالخليفة الأعظم وقطب الأقطاب والانسان الكبير وآدم الحقيقي المعبر عنه بالقلم الاعلى والعقل الأول والروح الأعظم، وباطن هذه النبوة هو الولاية المطلقة، وهي عبارة عن حصول مجموع هذه الكمالات بحسب الباطن في الأزل وإبقائها إلى الأبد ويرجع إلى فناء العبد في الحق وبقائه به وإليه الإشارة بقوله، صلى الله عليه وآله: (انا وعلى من نور واحد). والنبوة المقيدة هي الاخبار عن الحقايق الإلهية، أي معرفة ذات الحق وأسمائه و صفاته واحكامه، فان ضم معه تبليغ الاحكام والتأديب بالأخلاق والتعليم بالحكمة والقيام بالسياسة فهي النبوة التشريعية ويختص بالرسالة. وقس عليه الولاية المقيدة. فكل من النبوة والولاية من حيث هي صفة الهية، مطلقة، ومن حيث استنادها إلى الأنبياء والأولياء مقيدة. والمقيد متقوم بالمطلق والمطلق ظاهر في المقيد، فنبوة الأنبياء كلهم جزئيات النبوة المطلقة وكذلك ولاية الأولياء جزئيات الولاية المطلقة. قال صاحب الرسالة المسماة بالجانب الغربي في مشكلات ابن عربي ما حاصله ان ختم الولاية يكون لأربعة اشخاص: الأول، ختم الولاية المطلقة وهو لعيسى، عليه السلام، وهو المسمى بالخاتم الأكبر. والثاني، ختم الولاية المقيدة وهو على ثلاثة اقسام: الأول، الولي الذي يكون متصرفا في العالم بحسب الصورة والمعنى ويكون أيضا خليفة ويجرى احكام ظواهر الشرع وهو أمير المؤمنين، عليه السلام، ويسمى بالخاتم الكبير. الثاني، الولي الذي يكون متصرفا في العالم بحسب الصورة والمعنى ويكون خليفة ولا يجرى ظواهر احكام الشرع وهو يرفع الخلافات الظاهرة بين العلماء ويجعل الاحكام في كل مسألة حكما و أحدا لشهود الامر على ما هي عليه في علم الله، كما كان في زمان رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، لارتفاع الحجاب عن عين جسمه وقلبه. كما صرح بما ذكرنا المؤلف العلامة في رسالة التوحيد والنبوة والولاية، طبع دانشگاه مشهد وهو المهدى، عجل الله فرجه.
الثالث، الولي الذي لا يكون متصرفا في العالم بحسب الصورة والمعنى بل يكون متصرفا فيه بحسب المعنى فقط ولا يكون خليفة وهو الشيخ محيي الدين وهو المسمى بالخاتم الأصغر.
قال الشارح في شرحه لقصيدة ابن فارض: النبوة عامة وخاصة، ونعني بالنبوة العامة ما لا يكون مقرونا بالرسالة والشريعة، وبالخاصة ما يكون كذلك. الأولى، كنبوة الأنبياء الذين كانوا تحت شريعة موسى، عليه السلام، كهارون ويوشع وغيرهما، والثانية، كأولي العزم من الرسل. قال الولاية عامة وخاصة: والعامة حاصلة لكل من آمن بالله و عمل صالحا، والخاصة هي الفناء في الله ذاتا وصفة وفعلا. فالولي هو الفاني في الله القائم به الظاهر بأسمائه وصفاته. وقال أيضا: الولاية الكلية هي التي جميع الولايات الجزئية افرادها، والمقيدة تلك الافراد. وقال أيضا: وولاية محمد، صلى الله عليه وآله، قسمان:
كلية من حيث كلية روحه المسمى بالعقل الأول، وجزئية من حيث روحه الجزئي المدبر لجسده. فالظاهر بالولاية الجزئية هو شيخنا الكامل المكمل محيي الاسلام والدين (س) والظاهر بالولاية الكلية هو عيسى، عليه السلام. 12
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 127 128 129 130 131 137 138 139 ... » »»