شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٧٥٤
والقابلية مركوز كامن فيه حاصل له ب‍ (الفيض الأقدس). وإليه أشار قوله تعالى: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين). فإن الحق أمرهما بالإتيان إلى الوجود العيني، والإتيان صدر منهما.
(فما أوجد هذا الشئ بعد أن لم يكن عند الأمر بالتكوين إلا نفسه، فأثبت الحق تعالى أن التكوين للشئ نفسه) (نفسه)، بالجر، تأكيد (للشئ). (لا للحق.
والذي للحق فيه أمره خاصة. وكذا أخبر عن نفسه في قوله: (إنما أمرنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون. فنسب (التكوين) لنفس الشئ). أي، إلى نفس الشئ. ف‍ (اللام) بمعنى (إلى). (عن أمر الله وهو الصادق في قوله. وهذا هو المعقول في نفس الأمر. كما يقول الآمر، الذي يخاف فلا يعصى) على البناء للمفعول. (لعبده: قم. فيقوم العبد امتثالا لأمر سيده. فليس للسيد في قيام هذا العبد سوى أمره له بالقيام. والقيام من فعل العبد، لا من فعل السيد). معناه ظاهر.
فإن قلت: الأشياء قبل وجودها معدومة، فكيف تتصف بالامتثال والقبول للأمر والانقياد؟ وهذه المعاني إنما تحصل مما له الوجود، وكيف يمكن أن يتكون الشئ الذي وجوده مستفاد من غيره بنفسه؟ وكيف يقاس ما ليس بموجود إلى ما هو موجود، كمثال العبد والسيد؟
قلت: إنها موجودة بالوجود العلمي الإلهي أزلا وأبدا، وإن كانت معدومة بالنسبة إلى الوجود الخارجي. وهذه الصفات التي للأشياء ليست من لوازم الوجود الخارجي فقط، بل من لوازم الوجود العلمي، فهي متصفة بها أيضا حال كونها متصفة بالوجود العلمي. غاية ما في الباب، أن هذه الصفات يتفاوت ظهورها بحسب عوالمها التي هي فيها، كما يتفاوت الأعيان باللطافة والكثافة في عالم الأرواح والأجسام.
وسر نسبة (التكوين) إلى الأعيان وتحقيقها، أن تلك الأعيان لكونها عين الحق من حيث الحقيقة لها الظهور والإظهار لنفسه في جميع مراتب الوجود،
(٧٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 749 750 751 752 753 754 755 756 757 758 759 ... » »»