شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠١
للحكماء ميزانا يفرق بين الصواب والخطاء وهو المنطق. منها ما هو ميزان عام وهو القرآن والحديث المنبئ كل منهما عن الكشف التام المحمدي، صلى الله عليه وآله، ومنها ما هو خاص وهو ما يتعلق بحال كل منهم الفايض عليه من الاسم الحاكم والصفة الغالبة عليه، وسنؤمي في الفصل التالي بعض ما يعرف به اجمالا، انشاء الله تعالى.
تنبيه لا بد ان يعلم ان كل ماله وجود في العالم الحسى هو موجود في العالم المثالي دون العكس، لذلك قال أرباب الشهود: ان العالم الحسى بالنسبة إلى عالم المثالي كحلقة ملقاة في بيداء لا نهاية لها (7). اما إذا أراد الحق تعالى ظهور ما لا صورة لنوعه في هذا العالم في الصور الحسية، كالعقول المجردة وغيرها، يتشكل بأشكال المحسوسات بالمناسبات التي بينها وبينهم وعلى قدر استعداد ماله التشكل كظهور جبرئيل، عليه السلام، بصورة (دحية الكلبي) وبصورة أخرى، كما نقل عمر من حديث السؤال عن الايمان والاسلام والاحسان (8). وكذلك باقي الملائكة السماوية والعنصرية، والجن أيضا وان كان لها أجسام نارية كما قال الله تعالى، فيهم: (وخلق الجان (9) من مارج (10) من نار). والنفوس الانسانية الكاملة أيضا يتشكلون بأشكال غير أشكالهم المحسوسة وهم في دار الدنيا لقوة انسلاخهم من أبدانهم، وبعد انتقالهم أيضا إلى الآخرة لازدياد تلك القوة بارتفاع المانع البدني، ولهم الدخول في العوالم الملكوتية كلها كدخول الملائكة في هذا العالم و تشكلهم بأشكال أهله ولهم ان يظهروا في خيالات المكاشفين كما تظهر الملائكة والجن. وهؤلاء هم المسمون بالبدلاء (11). وقد يفرق بينهم وبين الملائكة أصحاب الأذواق بموازينهم الخاصة بهم، وقد يلهمهم الحق سبحانه ما يحصل به العلم بهم وقد يحصل باخبارهم عن أنفسهم (12)، وإذا ظهروا عند غير المكاشف من الصالحين والعابدين لا تمكن له ان يفرق بينهم الا بقرائن يحصل منها الظن فقط (13) مثل الإخبار عن المغيبات والاطلاع بالضمائر والإنباء عن الخواطر قبل

(٧) - يمكن ان يستدل على عدم تناهى النشآت الطولية الوجودية من وجهين: أحدهما بالنظر في عالم الملك، والثاني بالنظر في الجهة الفاعلية وعدم تماميتهما. فافهم. (غلامعلى) (٨) - قال شيخ المشايخ خواجة عبد الله الأنصاري: وأخبرنا معنى الحصول على المشاهدة محمد بن الحسين الباساني عن... عبد الله بن عمر عن أبيه في حديث سؤال جبرئيل رسول الله (ص) قال: ما الاحسان؟ قال ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فإنه يراك.
في كتب روايات أصحابنا الامامية مفاد هذه الرواية مأثورة بطرق متعددة.
(٩) - أي، باطن الانسان وروحه الحيواني الذي هو مستور عن الحس وهو أبو الجن، أي أصل القوى الحيوانية التي أقواها وأشرفها للوهم، أي، الشيطان المسمى إبليس الذي هو من ذريته. ١٢ (١٠) - لهب لطيف صاف وهو اللهب الذي فيه اضطراب، وهذا الروح دائم الاضطراب والتحرك.
(١١) - لكونهم بدلا عن القطب. وقال الشيخ العارف مولانا عبد الرزاق الكاشاني: البدلاء هم سبعة رجال يسافر أحدهم من موضع ويترك فيه جسدا على صورته بحيث لا يعرف أحد انه فقد. وذلك معنى البدل لا غير وهم على قلب إبراهيم عليه السلام.
(١٢) - اعلم، ان الابدال لما كان لهم الدخول في عالم الملكوت فلهم ان يطلعوا على الاخبار بالمغيبات وعلى الضمائر وعلى الخواطر قبل وقوعها في القلب، والجن والملائكة ليس لهم ذلك الدخول، فلا يطلعون عليها وانما قال يحصل منه الظن، لان الممثل في خيال العباد والصلحاء كما يمكن ان يكون بدلا من الابدال يمكن ان يكون خيالا ومثالا من الملائكة الجبروتيين، فإنهم لعلو مقامهم وكونهم من سلسلة العقل يطلعون على جميع ما ذكر.
فالملائكة الذين قلنا لا يطلعون عليها غير هؤلاء الجبروتيين القدسيين. فظهر وجه الظن و عدم اليقين للعباد والصلحاء واما العارف المكاشف فيعرف كل مثال بميزانه، والسالك المتوسط يعرف بارشاد مرشده الكامل بهدايته. (للأستاذ ميرزا محمد رضا، دام ظله) (13) - انما قال انما يحصل الظن، لان الصورة الممثل في خيال العباد والصلحاء يمكن ان يكون لبدل من الابدال ويمكن ان يكون مثالا للملائكة الواقعة في سلسلة الترقيم لان سكان الجبروت يطلعون على جميع ما ذكر. وهؤلاء الابدال والملائكة لاطلاعهم على سر الوجود و كيفية سريانه وإحاطتهم بالمقدرات قبل ظهورها في القلوب الصلحاء. 12
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 97 98 99 100 101 102 107 108 109 110 ... » »»