للحكماء ميزانا يفرق بين الصواب والخطاء وهو المنطق. منها ما هو ميزان عام وهو القرآن والحديث المنبئ كل منهما عن الكشف التام المحمدي، صلى الله عليه وآله، ومنها ما هو خاص وهو ما يتعلق بحال كل منهم الفايض عليه من الاسم الحاكم والصفة الغالبة عليه، وسنؤمي في الفصل التالي بعض ما يعرف به اجمالا، انشاء الله تعالى.
تنبيه لا بد ان يعلم ان كل ماله وجود في العالم الحسى هو موجود في العالم المثالي دون العكس، لذلك قال أرباب الشهود: ان العالم الحسى بالنسبة إلى عالم المثالي كحلقة ملقاة في بيداء لا نهاية لها (7). اما إذا أراد الحق تعالى ظهور ما لا صورة لنوعه في هذا العالم في الصور الحسية، كالعقول المجردة وغيرها، يتشكل بأشكال المحسوسات بالمناسبات التي بينها وبينهم وعلى قدر استعداد ماله التشكل كظهور جبرئيل، عليه السلام، بصورة (دحية الكلبي) وبصورة أخرى، كما نقل عمر من حديث السؤال عن الايمان والاسلام والاحسان (8). وكذلك باقي الملائكة السماوية والعنصرية، والجن أيضا وان كان لها أجسام نارية كما قال الله تعالى، فيهم: (وخلق الجان (9) من مارج (10) من نار). والنفوس الانسانية الكاملة أيضا يتشكلون بأشكال غير أشكالهم المحسوسة وهم في دار الدنيا لقوة انسلاخهم من أبدانهم، وبعد انتقالهم أيضا إلى الآخرة لازدياد تلك القوة بارتفاع المانع البدني، ولهم الدخول في العوالم الملكوتية كلها كدخول الملائكة في هذا العالم و تشكلهم بأشكال أهله ولهم ان يظهروا في خيالات المكاشفين كما تظهر الملائكة والجن. وهؤلاء هم المسمون بالبدلاء (11). وقد يفرق بينهم وبين الملائكة أصحاب الأذواق بموازينهم الخاصة بهم، وقد يلهمهم الحق سبحانه ما يحصل به العلم بهم وقد يحصل باخبارهم عن أنفسهم (12)، وإذا ظهروا عند غير المكاشف من الصالحين والعابدين لا تمكن له ان يفرق بينهم الا بقرائن يحصل منها الظن فقط (13) مثل الإخبار عن المغيبات والاطلاع بالضمائر والإنباء عن الخواطر قبل