جعلك في تحقق كمالك بأفعالك نازلا منزلة منزلة نفسه، لأن كماله بإلهيته، وهي إنما يتحقق ويظهر بالآثار والأفعال، وهي العالم ومقتضياته. فإذا أقمت الدين بانقيادك لأوامره وأحكامه التي شرعها لك، حصل كمالك وصرت من السعداء. وأنزلك الله منزلته حيث أضاف الدين الذي هو فعلك إلى نفسه.
كما قال: (إن الدين عند الله الإسلام). أي، الدين المعتبر عند الله هو (الإسلام)، فهو دين الله. وقال: (ألا لله الدين الخالص).
(وسأبسط في ذلك إن شاء الله ما يقع به الفائدة بعد أن نبين الدين الذي عند الخلق الذي اعتبره الله). ذلك إشارة إلى ما مر من معنى (الدين) وسيقرره مع باقي مفهوماته.
(فالدين كله لله، وكله منك لا منه إلا بحكم الأصالة). لما كان (الدين) عبارة عن الانقياد، وهو لله وأوامره وأحكامه، فالدين لله. قال تعالى: (ألا لله الدين الخالص). (وكله) أي، وكل الدين منك، لأن الانقياد فعل صادر منك لا من الله، إلا بحكم الأصالة، لأنه هو الموفق لك بذلك الانقياد بإعطاء القدرة و الاستعداد والإيجاد فيك.
(قال تعالى: (ورهبانية ابتدعوها).) استشهاد للدين الذي عند الخلق. و ( رهبانية) أي، ما يفعله الراهب - وهو العالم في الدين المسيحي - من الرياضة والانقطاع من الخلق والتوجه إلى الحق. (ابتدعوها) أي، اخترعوها لأنفسهم.
(وهي النواميس الحكمية) أي الشرائع التي اقتضتها الحكمة والمعرفة.
(التي لم يجئ الرسول المعلوم بها في العامة من عند الله بالطريقة الخاصة (5) المعلومة في العرف). من ظهور النبي وادعائه النبوة وإظهار المعجزة.
وقوله: (بالطريقة الخاصة) متعلق بقوله: (ابتدعوها). أي، اخترعوها