(ولهذا قال الرسول: شيبتني هود وأخواتها لما تحوي عليه). أي، لما يشتمل سورته عليه. (من قوله: (فاستقم كما أمرت). فشيبه قوله تعالى: (كما أمرت) فإنه لا يدرى هل أمر بما يوافق الإرادة فيقع المأمور به، أو بما يخالف الإرادة فلا يقع) المأمور به، لأنه، عليه السلام، من حيث نشأته العنصرية الحاجبة عن الاطلاع على الحقائق دائما، لا يدرى هل أمر بما يوافق الإرادة، فيقع المأمور به منه ويكون منقادا للأمر الإلهي، أو بما يخالف الإرادة، فلا يقع، فيكون خارجا عن أمره تعالى.
(ولا يعرف أحد حكم الإرادة إلا بعد وقوع المراد، إلا من كشف الله عن بصيرته، فأدرك أعيان الممكنات في حال ثبوتها على ما هي عليه، فيحكم عند ذلك بما يراه. وهذا قد يكون لآحاد الناس). وهم الكمل من الأنبياء والأولياء.
(في أوقات لا يكون مستصحبا). أي، لا يكون هذا الكشف دائما، بل وقتا دون وقت، كما قال لنبيه: ((قل ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم). فصرح بالحجاب). قوله: (صرح) على صيغة الأمر. أي وقل: وصرح بالحجاب.
ليتنبه به العارفون إلى هذا المقام الذي ليس فوقه مقام آخر، لا يرتفع الحجاب مطلقا بحيث لا يبقى بين علم الحق وعلمه فرق.
(وليس المقصود إلا أن يطلع في أمر خاص، لا غير). أي، وليس المقصد من هذا الكشف الذي أطلعه الله عليه، إلا أن يطلع العبد على بعض الأمور، لا على كل ما يعلمه الله. كما قال: (ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء). والله أعلم.