شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٦٦٦
ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون). كما ذكر في حكمة كل نبي ما جاء في حقه في التنزيل. لأنه يبين في هذه الحكمة أحوال (الدين) من الانقياد والجزاء والعادة، وبكل منها تحصل الراحة الحقيقية ويترتب عليه الروح الدائم السرمدي.
إما بالانقياد، فظاهر، لأن من أنقاد لأوامر الحق وانتهى عن نواهيه واستسلم وجهه إلى الله تعالى، نال الراحة العليا ووجد الراحة القصوى.
وإما بالجزاء، فلأنه إذا عرف الإنسان أن الجزاء يترتب على أعماله وهي من مقتضيات ذاته واستعداداته - وإن كان وجودها من الله وخلقها - تحصل له الراحة العظيمة أيضا، لأنه يعلم أن ما أعطاه الله تعالى - مما له وعليه - من نفسه و ذاته، فلا يحمد إلا نفسه، ولا يؤاخذ إلا نفسه - كما قال في هذا الفص - بل هو منعم ذاته ومعذبها، فلا يذمن إلا نفسه ولا يحمدن إلا نفسه.
وأما العادة، أيضا فظاهر، لأن الإنسان إذا اعتاد بشئ، يستلذ منه ويجد الراحة.
ويمكن أن يكون (الروح) مضموم الراء. لأن المعاني الثلاث التي هي مفهومات (الدين) كلها من شان الروح المدبر للبدن، فحصل التناسب بينهما (2) وإليه مال شيخنا المحقق (رض) في فكوكه.
وتخصيصها ب‍ (الكلمة اليعقوبية) بأنه، عليه السلام، كان يعلم علم الأنفاس والأرواح، وكان كشفه روحانيا، لذلك قال: (لا تيأسوا من روح الله). فإنه كان يجد في مقام روحه بقاء يوسف وأخيه وجدانا إجماليا، كما قال: (إني لأجد ريح يوسف). ولا يجده عيانا تفصيليا، لذلك: (ابيضت عيناه من الحزن) (3) والله أعلم.

(2) - أي، الدين والروح. (ج) (3) - قد عرفت أن وجدانه لريح يوسف كان عيانا بعد ما تدارك الرحمة الإلهية بإلقاء السكينة في قلبه. وذلك بعد ارتياضه وابيضاض عينه من الحزن، وهو كظيم، كما أخبر الله تعالى عنه. (الامام الخميني مد ظله)
(٦٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 661 662 663 664 665 666 667 668 669 670 671 ... » »»