شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٦٦٧
(الدين دينان: دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرفه من عرفه الحق، ودين عند الخلق، وقد اعتبره الله. فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العلية على دين الخلق. فقال تعالى: (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون). أي، منقادون إليه).
اعلم، أن (للدين) لغة مفهومات يطلق عليها بالاشتراك. وقد اعتبر في نقله إلى الشرع هذه المفهومات الثلاث كلها. لأن الانسان ما لم ينقد لأحكام الله ظاهرا وباطنا ولم يعتد بالإتيان بالأوامر والانتهاء عن النواهي ولم يعتقد جزاء الأعمال ولم يصدق يومه وكون الحق مثيبا للمحسنين ومعاقبا للكافرين والعاصين، لم يكن مؤمنا بالحق ونبيه، ف‍ (الدين) شرعا جامع للمعاني الثلاث.
وهو لا يخلو إما أن يصدر من حضرة الجمع الإلهي بإرسال الأنبياء، عليهم السلام، وإما من حضرة التفصيل. والأول هو الذي اصطفاه الله تعالى، وأعطاه للأنبياء وعرفهم إياه، وعرف باقي المؤمنين بواسطتهم، وبهذا التعريف و تبليغ الرسالة وتبيين الدين صاروا حجة الله على الخلق.
والثاني، هو الذي كلف المهتدون بنور الحق والمتفكرون في عالم الأمر والخلق نفوسهم بتكاليف من عندهم. وذلك، لما عرفوا مقام عبوديتهم ومقام ربوبية الحق إياهم بأنوار لمعت من بواطنهم النقية ولاحت من أسرارهم الزكية، كلفوا نفوسهم بالعبودية شكرا لنعم الرب الذي خلقهم وهداهم. كما قال: (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم). أي، ما فرضنا تلك العبادة عليهم. (إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها) أي، الذين كلفوا نفوسهم بها. (حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا) بها، أي بتلك العبودية. (أجرهم) من الأنوار القدسية والكمالات النفسية التي هي الأخلاق الشريفة والملكات الفاضلة. وهذا هو المراد بقوله: (وقد اعتبره الله). (وكثير منهم) أي، من الناس الذين لم يعملوا بها ولا بما شرعه الله في
(٦٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 662 663 664 665 666 667 668 669 670 671 672 ... » »»