شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٦٦٢
بذاته أهل ذلك المقام، لأنهم رعاياه وعمارة ذلك الملك بهم. و (الوعد) شامل للكل، إذ وعده في الحقيقة عبارة عن إيصال كل واحد منا إلى كماله المعين له أزلا.
فكما أن الجنة موعود بها، كذلك النار والأعراف موعودان بهما. والإيعاد أيضا شامل للكل، فإن أهل الجنة يدخلون الجنة بالجاذب والسائق. قال تعالى: (و جاءت كل نفس معها سائق وشهيد). والجاذب المناسبة الجامعة بينهما بواسطة الأنبياء والأولياء. والسائق الرحمن بالإيعاد والابتلاء بأنواع المصائب والمحن والبلاء. كما أن الجاذب إلى النار المناسبة الجامعة بينهما وبين أهلها، والسائق الشيطان، فعين الجحيم (موعود) لهم، لا (متوعد) بها. و (الوعيد) هو العذاب الذي يتعلق بالاسم (المنتقم). وتظهر أحكامه في خمس طوائف لا غير، لأن أهل النار إما مشرك، أو كافر، أو منافق، أو عاص من المؤمنين - وهو ينقسم بالموحد العارف الغير العامل (14) والمحجوب. وعند تسلط سلطان المنتقم عليهم، يتعذبون بنيران الجحيم، كما قال تعالى: (أحاط بهم سرادقها ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك (15) ولا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون). وقال: (إنكم ماكثون اخسئوا فيها ولا تكلمون). فلما مر عليهم السنون والأحقاب واعتادوا

(14) - في بعض النسخ: (الغير الكامل). وهو كما ترى. ولعل المراد بغير الكامل، هو العارف الناقص في العمل والكامل في العلم، أو المتوسط في المعرفة. (ج) (15) - سمى خازن النار (مالكا) لاختصاصه بمن ملك الدنيا وأثرها، لقوله تعالى: (فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا، فإن الجحيم هي المأوى). كما سمى خازن الجنة (رضوانا) لاختصاصه بمن (رضى الله عنهم ورضوا عنه). وقيل: (الرضا بالقضاء باب الله الأعظم). وهو الطبيعة الجسمانية الموكلة بأجساد العالم والهيولي الظلمانية، أو النفس الحيوانية الكلية الموكلة بالتأثير في أجساد العالم الحيوانية المستعلية على النفوس الناطقة المحسوسة في قيود اللذات الحسية، وإنما لا يتعذب بالنار، لكونه من جوهر تلك النار، فهي له - أي لخازن النار - جنة، ولسكان الجهنم نار، لتنافي جواهرهم وجوهرها. و اختصاص نداء أهل النار ب‍ (المالك) دون (الله)، لاحتجابهم عنه. والمراد من (النداء) هو توجه أهالي النار إلى (المالك). و (النداء) و (القول) يختلف باختلاف النشآت. (ج)
(٦٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 657 658 659 660 661 662 663 664 665 666 667 ... » »»