من الطبيعة أيضا بإنشاء مزاج آخر يخالف هذا المزاج، فإذن ليس الطبيب بخادم للطبيعة). أي، الطبيب خادم الطبيعة، والأنبياء والرسل وورثتهم خادموا الأمر الإلهي، إلا أن الطبيب ليس بخادم للطبيعة مطلقا، ولا الرسل خدمة للأمر الإلهي مطلقا. فان الخادم مطلقا إنما هو واقف عند مرسوم مخدومه، أي، واقف عند أمر مخدومه. يقال: رسم الأمير بكذا. إذا أمره. والطبيب ليس واقفا عند مرسوم الطبيعة مطلقا، فإنه لو كان كذلك، لساعد الطبيعة في كل حال من أحوالها ومن جملة أحوالها المرض، لأنه سوء مزاج خاص أحدثته الطبيعة. فلو كان مساعدا لها، لزاد في كمية المرض، لكنه يسعى في زواله وتبديله بالصحة.
(ويردعها)، أي، يمنعها عن المرض. وهذا المطلوب أيضا يحصل بمزاج آخر من الطبيعة ملائم لمطلوب الطبيب. فالطبيب خادم للطبيعة من حيث المزاج الملائم للشخص، وليس خادما على الإطلاق. فهو خادم لها من وجه، غير خادم لها من وجه آخر. وكذلك الأنبياء والرسل وورثتهم ليسوا خادمين للأمر الإلهي مطلقا. فإن الأمر الإلهي قسمان: قسم يتعلق بأمور يقتضيها عين المأمور، و هو الأمر الإرادي، وقسم يتعلق بأمور يقتضى بعضها عين المأمور ولا يقتضى البعض الآخر، بل نقيضه، وهو الأمر التكليفي. والأنبياء والرسل خادموا الأمر التكليفي (9) بالحال والقول:
قوله: (ما بالحال أو بالقول) متعلق بقوله: (واقف). ووقوفه بالحال، كالإتيان بالعبادات والأفعال المبينة لقرب الحق ليقتدى الأمة بهم فيها، فتسعد.
كما قال: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله). ويأتي العاصي بضدها، فيشقى. كقوله تعالى: (وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم). وقوله: (وما اختلفوا إلا من بعد ما جائهم العلم).
ووقوفه بالقول، كأمره بالإيمان ونهيه عن الكفر والطغيان، وبيان ما يثاب به ويعاقب عليه. كما قال: (بلغ ما أنزل إليك). ليصل به المطيع إلى كماله،