شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٦٦١
على لذة فيها) أي في تلك الدار (نعيم مبائن) أي، لنعيم الجنان. فإن نعيم النفوس الطيبة لا يكون إلا بالطيبات، ونعيم النفوس الخبيثة لا يكون إلا بالخبيثات. كالتذاذ الجعل بالقاذورات وتألمه بالطيبات. قال تعالى: (الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات والخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات).
(نعيم جنان الخلد فالأمر واحد * وبينهما عند التجلي تباين) (نعيم) منصوب على أنه مفعول (المبائن). أي، مبائن لنعيم جنات الخلد.
قوله: (فالأمر واحد) - إلخ إشارة إلى أن التجلي الإلهي على السعداء والأشقياء في الأصل ليس إلا واحد، كقوله: (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر). والتعدد والتباين إنما يقع بحسب القوابل، وكل منها يأخذ بحسب استعداده وقابليته، كماء واحد نزل من السماء فصار في موضع سكرا وفي موضع حنظلا.
(يسمى عذابا من عذوبة طعمه * وذلك له كالقشر والقشر صائن) أي، يسمى ذلك النعيم الذي لأهل الشقاء عذابا، لعذوبة طعمه بالنسبة إليهم.
فإن (العذاب) مأخوذ من (العذب) في الأصل، وذاك، أي لفظ العذاب، له، أي للعذب، كالقشر، والقشر صائن للبه من الآفات. فلفظ (العذاب) يصون معناه عن إدراك المحجوبين الغافلين عن حقائق الأشياء. أو يكون (ذاك) إشارة إلى نعيم أهل النار، أي، ذلك النعيم كالقشر لنعيم أهل الجنة، إذ (الجنة حفت بالمكاره). ألا ترى أن التبن نعيم الحيوان والبر المحفوظ به نعيم الإنسان.
وبعد أن فرعنا من حل تركيبه وبيان معناه، فلنشرع في تحقيقه ومبناه، لأنه من أهم المهمات، وقليل من يعرف أصول هذه المقامات. فنقول:
اعلم، أن المقامات الكلية الجامعة لجميع العباد في الآخرة ثلاث - وإن كان كل منها مشتملا على مراتب كثيرة لا تحصى -: وهي الجنة، والنار، والأعراف الذي بينهما. على ما نطق به الكلام الإلهي. ولكل منها اسم حاكم عليه، يطلب
(٦٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 656 657 658 659 660 661 662 663 664 665 666 ... » »»