شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٦٥٨
كما قال تعالى: (بل هم في لبس من خلق جديد). وإذا علمت أن الحق أزلا وأبدا ظاهر في كل المراتب لا تفنى الأعيان الوجودية مطلقا لأنها مظاهره فيها، ولا تبقيها أيضا مطلقا لفنائها واستهلاكها دائما في عين الوجود الحق عند تجلى الواحد القهار يوم القيامة، كما قال تعالى: (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار). ولا تفنيها من حيث تعيناتها، فإنها فانية في الأزل ولا تفنيها من حيث حقيقتها، فإن الحق باق لم يزل، لذلك قيل:
الفاني فان لم يزل * والباقي باق في الأزل (ولا يلقى عليك الوحي * من غير ولا تلقى) أي، إذا لم يكن في الوجود غير الله في الحقيقة، فالوحي الذي يلقى إليك من جهة عبوديتك لا يكون ملقى في حق الغير، بل يكون ملقى على نفسه من مقام جمعه على مقام تفصيله. ولا تلقى أنت أيضا ذلك الوحي بربوبيتك، إلا في حق نفسك، فإن العباد كلها مظاهر حقيقتك، وأنت مقام جمعهم وهم تفاصيلك.
(الثناء بصدق الوعد، لا بصدق الوعيد. والحضرة الإلهية تطلب الثناء المحمود بالذات، فيثنى عليها بصدق الوعد، لا بصدق الوعيد، بل بالتجاوز). لما أثنى الحق على إسماعيل، عليه السلام، بصدق الوعد، شرع يبين في حكمته أسراره، كما بين أسرار (الرضا). والثناء عقلا وعادة لا يكون إلا في مقابلة خيرات المثنى عليه، لا في مقابلة الشرور، إذ لا يثنى على من يحصل منه الضر والنقم، بل على من يحصل منه النفع والنعم. فمن وعد بالخير وأنجز وعده، يثنى عليه بذلك. ومن أوعد، فلا يثنى عليه بذلك الإيعاد، إلا إذا عفا وتجاوز عن إيعاده. والذات الإلهية لكونها منبع الخيرات ومعدن المسرات، تطلب بالذات الثناء من العبيد، حيث أخرجهم من العدم إلى الوجود، وكساهم بحلل الكمالات، وجعلهم مظاهر الأسماء والصفات. والشرور أمور إضافية لكونها عبارة عن عدم ملائمتها للطبائع. فكون الشر شرا ليس بالنسبة إلى الذات، كما نبه النبي (ع) بقوله في دعائه: (والخير كله إليك، والشر ليس
(٦٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 653 654 655 656 657 658 659 660 661 662 663 ... » »»