شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٩٨
قال: (إن تنصروا الله ينصركم). و (النصرة) هي المساعدة. ولتسعده بظهور جماله وجلاله في مرآئي ذواتنا ومظاهر أعياننا.
ولما كان الإسعاد عند الحقيقة عبارة عن إخراج الكمالات التي في الباطن إلى الظاهر وإظهارها، وكمالات الأسماء وظهوراتها كانت بأعياننا - كما جاء في الصحيح أنه، صلى الله عليه وسلم، قال: (والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم). نسب الشيخ (رض) الإسعاد بنا، وهو إسعاده لنفسه بنفسه من غير اعتبار تعدد وتكثر في الحقيقة.
(لذاك الحق أوجدني * فأعلمه وأوجده) و (لذاك) ب‍ (اللام)، وفي بعض النسخ ب‍ (الكاف). ومعناه: كما أساعده و أسعده، كذاك الحق يوجدني ويسعدني. ومعنى الأول: أوجدني الحق لأعرف إلهيته وربوبيته، كما جاء في الحديث: (كنت كنزا مخفيا...). وقال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). أي، ليعرفون. فذاك إشارة إلى قوله: (و أعرفه فأشهده).
وقوله: (فأعلمه وأوجده) أي، أعلمه في جميع المظاهر، وأظهره فيها للمحجوبين، لأنه اختفى فيها بإظهار الخلق. فإذا علمته أنه هو الظاهر في كل من الموجودات وأظهرت هذا السر للمحجوبين وعرفتهم، تبقى ظاهرا عندهم أيضا. وهذا الإظهار مجازاة منا لإظهاره لنا من خفاء الغيب إلى ظهور الشهادة.
ويجوز أن يكون (أوجدني) مطاوعا من (الوجد). أي، جعلني واجدا له و مدركا إياه. فحينئذ يكون معنى: فأوجده فأدركه.
(بذا جاء الحديث لنا * وحقق في مقصده) أي، بهذا المعنى جاء الحديث المذكور، وهو (كنت كنزا مخفيا...). وقيل:
معناه: جاء الحديث لنا فيما قلت، فأعلمه فأوجده. وهو ما نقله رسول الله،
(٥٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 593 594 595 596 597 598 599 600 601 602 603 ... » »»