شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٦٥
الواحدة، لا تبقى ولا تذر من الكثرة شيئا، بل تفنيها وتجعلها هباء منثورا.
(فالعلي لنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به). أي، يستغرق صاحبه بذلك الكمال. (جميع الأمور الوجودية). أي، الموجودات العينية.
(والنسب العدمية) أي، التي لا أعيان لها في الخارج. (بحيث لا يمكن أن يفوته نعت منها، سواء كانت محمودة عرفا وعقلا وشرعا، أو مذمومة عرفا وعقلا و شرعا). أي، العلى المطلق الذي علوه لذاته، هو الذي يكون كماله مستغرقا لجميع الكمالات الوجودية والصفات الحقيقية والنسب الإضافية والسلبية، بحيث لا يمكن أن يفوته نعت من النعوت، سواء كانت تلك النعوت محمودة، بحسب العرف أو العقل أو الشرع، أو مذمومة فيها، لأن من فاته منها شئ لا يكون له العلو بحسب ذلك الفائت، وذلك المقدار من العلو يكون لمن هو متحقق به، فالعلي المطلق لا يكون عليا مطلقا.
و (الفوت) يعدى ب‍ (من) وبنفسه، كما يقال: فات منه الحزم وفاته الحزم.
وإنما عمم بقوله: (محمودة... أو مذمومة) لأن الوجود خير محض، والعدم شر محض. فكل أمر وجودي من حيث وجوده خير، ومن حيث العدمية التي تلحقه شر، فيصير مذموما كالزناء، مثلا، فإنه من حيث إنه كمال للقوة الشهوية خير، و من حيث تأديه إلى انقطاع النسل ووقوع الفتن الموجب لعدم النظام الأصلح، شر. فالخير للموجود ذاتي، والشر عارضي نسبي. فكل مذموم، عقلا أو عرفا أو شرعا، محمود من جهة أخرى، ومن هذه الحيثية ملحق بالحق، لازم للوجود المطلق، فلا ينبغي أن يفوته شئ منها.
(وليس ذلك) أي، الكمال المستغرق لجميع الكمالات. (إلا لمسمى الله خاصة). أي، للذات الأحدية الجامعة لجميع الأسماء والصفات. (وأما غير مسمى الله خاصة مما هو مجلي له، أو صورة فيه، فإن كان مجلي له فيقع التفاضل (16) - لا بد

(16) - ويمكن أن يكون المراد من المجلى والصورة الاسم، إلا أن المجلى يلاحظ في نظر التكثير فيقع التفاضل، والصورة بنظر التوحيد فيستهلك في أحدية الجمع فلا يقع التقاضل، كما ورد في الدعاء: (اللهم، إني أسئلك من أسمائك بأكبرها وكل أسمائك كبيرة). فأوقع التفاضل فيها أولا، ونفى ثانيا عنه استهلاك الكل في أحدية الجمع بنظر الداعي السالك. وقد فصلنا القول في ذلك المقام في شرحنا لدعاء الأسحار الذي شرحناه في سالف الزمان. (الإمام الخميني مد ظله)
(٥٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 560 561 562 563 564 565 566 567 568 569 570 ... » »»