شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٦٤
المشبه).
فقوله: (بهذا الوجه) إشارة إلى ما مر، من أن الحق هو الظاهر في مرايا الأعيان.
وقوله: (وليس خلقا بذاك الوجه فاذكروا) إشارة إلى أن الظاهر في مرآة الحق هي الأعيان الخلقية، فالحق ليس خلقا حينئذ، بل منزه من الصفات الخلقية ومختف بحجاب عزته، باق في غيبيته لا يشهد ولا يرى، وكل ما يشهد ويرى فهو خلق.
(من يدر ما قلت لم تخدل بصيرته * وليس يدر به إلا من له البصر) أي، من عرف ما أشرت إليه من الوجهين، لم يخذل بصيرته. على البناء للفاعل أو المفعول. وليس يدريه إلا من له البصر الحاد الذي لا يعجز عن مشاهدة الحق في عالم الغيب والشهادة، كما قال تعالى في حق نبيه، صلى الله عليه و سلم: (فبصرك اليوم حديد). و (البصيرة) عبارة عن عيني القلب اللتين يشهد بهما المشاهد الغيبية، شهودا معنويا أو مثاليا. قال، صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد إلا ولقلبه عينان، هما غيب ينظر بهما الغيوب. فإذا أراد الله بعبد خيرا، فتح عيني قلبه ليرى بهما ما خفى عن بصره). وقال: (تنام عيني ولا ينام قلبي).
(جمع وفرق فإن العين واحدة * وهي الكثير لا تبقى ولا تذر) أي، جمع بين الخلق والحق في مرتبة المعية، كما جمع الحق بقوله: (وهو معكم أينما كنتم). بين هويته وعين العبد، وفي قوله: (كنت سمعه وبصره). - إذ الضمير راجع إلى العبد - وفرق بينهما بمشاهدة الحق وحده عند غلبة الوحدة عليك، كما فرق بقوله: (قل الله ثم ذرهم). وبشهود الخلق وحده عن غلبة الكثرة عليك، كقوله تعالى: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة). إذ العين في الحقيقة واحدة و هي الذات الإلهية، وهي الكثيرة أيضا بحسب مظاهرها وأسمائها وصفاتها. و فاعل قوله: (لا تبقى ولا تذر) هو العين الواحدة. أي، إذا تجلت هذه العين
(٥٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 559 560 561 562 563 564 565 566 567 568 569 ... » »»