(فما ثمة إلا حيرة لتفرق النظر) أي، نظر العقل في الوجوه المتعددة المتضادة والمتناقضة وغيرها، فإنه لا يعرف أنه حقيقة واحدة ظهرت في صور مختلفة أو حقائق كثيرة.
(ومن عرف ما قلناه، لم يحر). بفتح الحاء. أي ومن عرف ما قررناه، من أن الحقيقة الواحدة هي الظاهرة في صور المراتب المتكثرة والمظاهر المختلفة، لم يقع في الحيرة.
(وإن كان في مزيد علم، فليس إلا من حكم المحل، والمحل هو عين العين الثابتة). (إن) هاهنا يجوز أن يكون للمبالغة فلا يقتضى الجواب، ويجوز أن يكون شرطية. وعلى الأول معناه: ومن عرف ما قلنا لم يحر، إن كان هذا العارف في مزيد العلم بالوجوه الإلهية، كما قال، صلى الله عليه وسلم: (رب زدني علما). فليس عدم الحيرة هنا إلا من حكم المحل، وهو العين الثابتة التي لهذا العارف، كما أن الحيرة مقتضى عين الحائر. وعلى الثاني فمعناه: وإن كان التحير حاصلا في مزيد علم، فليس ذلك التحير إلا من حكم المحل وهو عين الحائر.
(فبها يتنوع الحق في المجلى فتتنوع الأحكام عليه، فتقبل كل حكم ولا يحكم عليه إلا عين ما تجلى فيه، وما ثمة إلا هذا). أي، فبسبب الأعيان الثابتة التي للموجودات، أو فيها، يتنوع الحق في مجاليه وظهوراته، كما يتنوع ظهورات الوجه في المرايا المتعددة، فيتنوع أحكام العين الثابتة على الحق بحسب ما يطلب استعداداتها منه، فيقبل الحق كل حكم يعطيه العين الثابتة التي تجلى الحق فيها، كظهور الوجه في المرآة المستديرة مستديرا وفي المستطيلة مستطيلا. وما في نفس الأمر إلا ما أشرت إليه لا غير. شعر:
(فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا وليس خلقا بذاك الوجه فاذكروا) أي، إذا كان الحق يتنوع في مجاليه ويقبل كل ما يحكم عليه الأعيان من الأحكام الكونية، فالحق خلق من حيث إنه ظهر في المظاهر الخلقية واختفى فيها، فالمشهود، غيبا وشهادة، حق صرف لا غير معه. كما قال: (فالحق المنزه هو الخلق