شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٦٠
(فانظر ما ذا ترى) أي، أنظر أيها السالك طريق الحق ما ذا ترى من الوحدة والكثرة جمعا وفرادى، فإن كنت ترى الوحدة فقط، فأنت مع الحق وحده لارتفاع الإثنينية، وإن كنت ترى الكثرة فقط، فأنت مع الخلق وحده، وإن كنت ترى الوحدة في الكثرة محتجبة والكثرة في الوحدة مستهلكة، فقد جمعت بين الكمالين وفزت بمقام الحسنيين.
(قال يا أبت افعل ما تؤمر) ولما كانت نسبة السالك إلى الشيخ المكمل نسبة الولد إلى والده، نقل الكلام إلى حكاية إبراهيم، عليه السلام، مع ولده. وقول المريد للشيخ: (إفعل ما تؤمر) عبارة عن تسليمه بين يديه، وإشارة إلى أن فعله ليس من نفسه، بل من ربه، فإنه واسطة بين السالك وربه. (والولد عين أبيه) بحكم اتحاد الحقيقة وفيضانه من جميع أجزاء وجوده وكونه بعضه، وإن كان غيره من حيث تعينه وتشخصه (14) (فما رأى يذبح سوى نفسه) وذبحه صورة إفنائه من إنانيته (15) (و (فداه بذبح عظيم)) (الذبح)، بكسر الذال، ما يذبح. وإنما وصفه ب‍ (عظيم) لأن الظاهر بتلك الصورة هو الذي له العظمة التامة. ثم قال

(14) - ولما كان الولد سر أبيه الظاهر في صورة الولد، فهو بالحقيقة أبوه الظاهر. وكان نسبة الأب إلى الأولاد كنسبة الحقيقة إلى العالم وكنسبة الواحد إلى الأعداد. تمثل الحقيقة الظاهرة في الأكوان المنزهة عنها كمالا ونقصانا، تارة بالواحد والأعداد، وتارة بالوالد والأولاد، فقال: (يا أبت أفعل...). (الإمام الخميني مد ظله) (15) - قال شيخنا الأستاد العارف، أدام الله ظله العالي: إن ما رأى إبراهيم، عليه السلام، في النوم هو حقيقة العبودية، إلا أن الخيال لكثرة اشتغاله بالأمور الحسية تمثل حقيقة العبودية بصورة ذبح الولد الذي أعز الأشياء عنده. أقول: حصول العبودية لا يمكن إلا بالخروج عن الأنانية وإفنائها فهاهنا أمران: إفناء الإنية والخروج عن الأنانية، وحصول العبودية.
وما رآه، عليه السلام، هو حقيقة الخروج عن الأنانية، لأن ذبح الولد الذي هو نفسه وظهوره صورة إفناء الأنانية لا صورة العبودية. ويمكن أن يكون المرئي حقيقة العبودية، وبعد ذلك الرؤية انتقلت نفسه إلى سببها الذي هو إفناء الإنية والخروج عن الأنانية، فتمثل له صورة المسبب. (الإمام الخميني مد ظله)
(٥٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 555 556 557 558 559 560 561 562 563 564 565 ... » »»