واعلم، أن (الطبيعة) عند أهل الحق يطلق على ملكوت الجسم. وهو القوة السارية في جميع الأجسام، عنصريا كان أو فلكيا بسيطا كان أو مركبا. وهي غير الصور النوعية التي للأجسام، لاشتراكها في الكل واختصاص الصور النوعية. وهي للنفس الكلية كالآلة في إظهار الجسم وتدبيره، وفي الحيوان بمنزلة الروح الحيواني، إذ بها يتم الفعل والانفعال، فأفرادها كالآلات للنفوس المجردة الجزئية، كما أن كليها آلة لكليها. فهي مظهر الاسم (الموجد) الذي هو من سدنة (الرب).
(وما الذي ظهر غيرها؟ وما هي عين ما ظهر لاختلاف الصور بالحكم عليها، فهذا بارد يابس وهذا حار يابس. فجمع باليبس، وأبان بغير ذلك). (ما) في (ما الذي) للاستفهام. والثاني بمعنى (ليس). والثالث بمعنى (الذي). أي، ما الذي ظهر من الطبيعة غير الطبيعة؟ أي، هي التي ظهرت في صور مراتبها لا غيرها. وليست الطبيعة غير الذي ظهر، لأنها واحدة في الحكم والحقيقة، وما ظهر منها مختلف بالصورة والحكم، فهذا بارد يابس وهذا حار يابس. فجمع الحق بينهما باليبس، تنبيها على الأصل الجامع، وأبان بالحرارة والبرودة، تنبيها على فرعيته.
(والجامع الطبيعة، لا، بل العين الطبيعة).
أي، والحال أن الجامع بينها، أي بين الصور، الطبيعة، لا بل العين الواحدة المعهودة، وهي التي ظهرت بصور هذه الموجودات كلها، هي عين الطبيعة.
(فعالم الطبيعة صور في مرآة واحدة، لا بل صورة واحدة في مرآيا مختلفة).
أي، عالم الطبيعة صور مختلفة حاصلة في مرأة الذات الإلهية من غير حصول التعدد والتكثر فيها. ثم أضرب بقوله: (لا، بل صورة واحدة) وهي الذات الإلهية في مرايا مختلفة، وهي الأعيان كقوله:
(فما الوجه الا واحد غير أنه إذا أنت عددت المرايا تعددا) تنبيها بحكم المقامين: مقام الموحد، ومقام المحقق. وقد مر تحقيق المرآتين مرارا.