ذلك لأن الأعيان مرايا لوجود الحق، وما يظهر في المرأة إلا عين الرائي وصورته، فالموجودات المسمى بالمحدثات صور تفاصيل الحق. فهي العلية لذاتها، لأن الحق على لذاته لا بالإضافة، فالموجودات أيضا كذلك، لأنها ليست إلا اثر من الحق.
وإنما قال: (لأن الأعيان... ما شمت رائحة الوجود). لأن الأعيان صور علمية موجودة في العلم معدومة في العين. ولها اعتباران: إعتبار أنها مرايا لوجود الحق وأسمائه وصفاته، واعتبار أن وجود الحق يصير مرآة لها. فبالاعتبار الأول، لا يظهر في الخارج إلا الوجود المتعين بحسب تلك المرايا المتعددة بتعددها، كما إذا قابلت وجهك بشئ فيه مرايا متعددة، تظهر صورتك في كل منها فتعدد. فعلى الأول، ليس شئ في الخارج إلا الوجود، والأعيان على حالها في العلم معدومة في العين، ما شمت رائحة الوجود الخارجي. هذا لسان حال الموحد الذي غلبه الحق. وبالاعتبار الثاني، ليس في الوجود إلا الأعيان ووجود الحق الذي هو مرآة لها في الغيب، ما يتجلى إلا من وراء تتق العزة وسرادقات الجمال والجلال. وهذا لسان من غلبه الخلق. وأما المحقق فلا يزال يشاهد المرآتين: مرآة الأعيان، ومرآة الحق والصور التي فيهما معا من غير انفكاك و امتياز. والشيخ (رض) لكونه بحرا مواجا، يخرج درر الحقائق ولآلئ المعاني على لسان كل طائفة من الطوائف الثلاث في كل حين ويعطى حقها.
وقوله: (مع تعداد الصور) متعلق ب (ما شمت) أي، الأعيان ما شمت رائحة من الوجود، مع أن آثارها، وهي صورها المتكثرة الجاعلة للوجود الواحد، موجودات متعددة بحسب انعكاس صورها في مرآة الوجود، وقبول (النفس الرحماني) إياها حاصلة في الموجودات العينية.
(والعين واحدة من المجموع في المجموع) أي، والحال أن الحقيقة التي تتبدل هذه الصور عليها، واحدة ممتازة من جميع الموجودات بحسب ذاتها من حيث إطلاقها وتقييد غيرها، وظاهرة بذاتها في صور جميع الموجودات من حيث أسمائها وصفاتها. أو، والحال أن العين القابلة للصور المتعددة واحدة ثابتة في صورة كل واحد من المجموع. و (من) للبيان، وعلى الأول للتعدية.