أي، فاختلطت الأمور، واشتبهت بالتكثر الواقع فيها على المحجوب الغير المنفتح عين بصيرته، وإن كانت ظاهرة راجعة إلى الواحد الحقيقي عند من رفعت الأستار عن عينه وانكشف الحق إليه بعينه. والاختلاط بالتجليات المختلفة صار سببا لوجود الكثرة، كما ظهرت الأعداد بظهور الواحد في المراتب المعلومة. ولما كان ظهور الواحد في المراتب المتعددة مثالا تاما لظهور الحق في مظاهره، جعل هذا الكلام توطئة، وشرع في تقرير العدد وظهور الواحد فيه، ليستدل المحجوب به على الكثرة الواقعة في الوجود المطلق مع عدم خروجه عن كونه واحدا حقيقا، و قال: (فأوجد الواحد العدد وفصل العدد الواحد). أي، أوجد الواحد بتكراره العدد، إذ لو لم يتكرر الواحد، لم يكن حصول العدد. وفصل العدد مراتب الواحد، مثل الاثنين والثلاثة والأربعة وغير ذلك إلى ما لا يتناهى، لأن كل مرتبة من مراتب الآحاد والعشرات والمئات والألوف ليس غير الواحد المتجلى بها، لأن الاثنين، مثلا، ليس إلا واحدا وواحدا اجتمعا بالهيئة الوحدانية، فحصل منها الاثنان، فمادته هو الواحد المتكرر وصورته أيضا واحدة، فليس فيه شئ سوى الواحد المتكرر، فهو مرتبة من مراتبه وكذلك البواقي. فإيجاد الواحد بتكراره العدد، مثال لإيجاد الحق الخلق بظهوره في الصور الكونية. وتفصيل العدد مراتب الواحد، مثال لإظهار الأعيان أحكام الأسماء الإلهية والصفات الربانية، والارتباط بين الواحد والعدد، مثال للارتباط بين الحق والخلق، وكون الواحد نصف الاثنين وثلث الثلاثة وربع الأربعة وغير ذلك، مثال للنسب اللازمة التي هي الصفات للحق.
(٥٥٦)