شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٥٩
توجد الأعداد. فيلزمه في كل مرتبة من مراتب العدد لوازم خصوصيات متعددة، وكذلك نقول لكل مرتبة إنها جمع الآحاد وتثبت أنها ليست غير مجموع الآحاد، مع أنه منفى عندك بأنها ليست مجموع الآحاد فقط.
(ومن عرف ما قررناه في الأعداد وأن نفيها عين ثبتها، علم أن الحق المنزه هو الخلق المشبه، وإن كان قد تميز الخلق من الخالق. فالأمر الخالق المخلوق، والأمر المخلوق الخالق). أي، ومن عرف أن العدد هو عبارة عن ظهور الواحد في مراتب متعددة، وليس من العدد بل هو مقومه ومظهره، والعدد أيضا في الحقيقة ليس غيره، وأن نفى العددية من الواحد عين إثباتها له لأن الأعداد ليست إلا مجموع الآحاد مادة وصورة، علم أن الحق المنزه عن نقائص الإمكان، بل عن كمالات الأكوان، هو بعينه الخلق المشبه وإن كان قد تميز الخلق بإمكانه عن الخالق.
(فالأمر الخالق) أي، الشئ الذي هو الخالق هو المخلوق بعينه، لكن في مرتبة أخرى غير المرتبة الخالقية. والأمر المخلوق وهو الخالق بعينه، لكن باعتبار ظهور الحق فيه. واعلم، أن الاثنين، مثلا، ليس عبارة إلا عن ظهور الواحد مرتين مع الجمع بينهما، والظاهر، فرادى ومجموعا فيه، ليس إلا الواحد، فما به الاثنان اثنان ويغاير الواحد بذلك ليس إلا أمر متوهم لا حقيقة له، كذلك شأن الحق مع الخلق، فإنه هو الذي يظهر بصور البسائط، ثم بصور المركبات، فيظن المحجوب أنها مغائرة لحقائقها، وما يعلم أنها أمور متوهمة، ولا موجودة إلا هو.
(كل ذلك من عين واحدة، لا بل هو العين الواحد، وهو العيون الكثيرة).
أي، كل ذلك الوجود الخلقي صادر من الذات الواحدة الإلهية، ثم أضرب عنه، لأنه مشعر بالمغايرة، فقال: بل ذلك الموجود الخلقي هو عين تلك العين الواحدة الظاهرة في مراتب متعددة. وذلك العين الواحدة التي هي الوجود المطلق، هو العيون الكثيرة باعتبار المظاهر المتكثرة، كما قال:
سبحان من أظهر ناسوته * سر سنا لاهوته الثاقب ثم بدا في خلقه ظاهرا * في صورة الآكل والشارب)
(٥٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 554 555 556 557 558 559 560 561 562 563 564 ... » »»