(وما ظهر حكم العدد إلا بالمعدود. فالمعدود منه عدم ومنه وجود: فقد يعدم الشئ من حيث الحس وهو موجود من حيث العقل). أي، العدد لكونه كما منفصلا وعرضا غير قائم بنفسه لا بد أن يقع في معدود ما، سواء كان ذلك المعدود موجودا في الحس، أو معدوما فيه موجودا في العقل. وظهور العدد بالمعدود مثال لظهور الأعيان الثابتة في العلم بالموجودات، وهي بعضها حسية وبعضها غيبية، كما أن بعض المعدود في الحس وبعضه في العقل. (فلا بد من عدد ومعدود، ولا بد من واحد ينشئ ذلك فينشأ بسببه). أي، إذا كان لا يظهر حكم العدد إلا بالمعدود، ولا يتبين مراتب الواحد إلا بالعدد، فلا بد من عدد ومعدود، ولما كان العدد ينشأ بتكرار الواحد، فلا بد من واحد ينشئ ذلك العدد. فينشأ أي، يظهر الواحد في مراتبه ومقاماته المختلفة بسبب ظهور العدد، فالسبب هنا السبب القابلي. أو لا بد من واحد ينشئ العدد، فينشأ العدد بسبب ذلك الواحد، فالسبب السبب الفاعلي. والأول أنسب.
(فإن كان كل مرتبة من العدد حقيقة واحدة كالتسعة، مثلا، والعشرة إلى أدنى وإلى أكثر إلى غير نهاية ما هي مجموع ولا ينفك عنها اسم جمع الآحاد، فإن الاثنين حقيقة واحدة والثلاثة حقيقة واحدة بالغا ما بلغت هذه المراتب). وفي بعض النسخ:
(فإن لكل مرتبة من العدد حقيقة). والظاهر أنه تصرف ممن لا يعرف معناه و مقصوده، رضى الله عنه. (إن كل مرتبة حقيقة واحدة) أي، إن اعتبرنا في كل مرتبة ما به يمتاز العدد المعين فيها من غيرها، وهو ما به الاثنان اثنان والثلاثة ثلاثة مثلا، فما هي مجموع الآحاد فقط، بل ينضم إليها أمر آخر يميزها عن غيرها، ولا ينفك عنها اسم (جمع الآحاد)، لأنه كالجنس لها فلا بد منها. فإن الاثنين حقيقة واحدة ممتازة من الثلاثة، وهي أيضا كذلك حقيقة واحدة متميزة عن الأخرى، إلى ما لا نهاية له. فقوله: (ما هي مجموع) جواب الشرط. والجملة الاسمية إذا وقعت جواب الشرط، يجوز حذف الفاء منه، عند الكوفيين، كقول الشاعر:
(من يفعل الحسنات، الله يجزيها). وإن لم نعتبر الأمور المتميزة بعضها عن بعض، نأخذ القدر المشترك بين الكل الذي هو جمع الآحاد، ونعتبره لا يبقى (*)