شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٣٦
عبيد من حيث تعينهم وتقيدهم للحق المطلق، وأرباب لما تحت حيطتهم و أحكامهم، فهم العبيد والأرباب بالاعتبارين.
((ولا يلدوا) أي، وما ينتجون ولا يظهرون (إلا فاجرا) أي، مظهرا ما ستر). (مظهر) اسم فاعل من (الإظهار). (ستر) على البناء للمفعول. أي، مظهرا ما ستره الحق من أسرار ربوبيته في مظاهره. ((كفارا) أي، ساترا ما ظهر بعد ظهوره) كما يعلمون اليوم في قوله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن). فإنه صريح في أن ما في الوجود غيره، ويأولونه على مبلغهم من العلم بحسب عقولهم، كتأويلهم قوله تعالى: (وهو معكم أينما كنتم). وأمثال ذلك.
(فيظهرون ما ستر) من الأسرار الإلهية. (ثم يسترونه بعد ظهوره). مرة أخرى. إما خوفا من الجهلاء، أو غيرة على الله. (فيحار الناظر ولا يعرف قصد الفاجر في فجوره ولا الكافر في كفره). أي، يحار الناظر في كلامهم، ولا يعرف مقصود المظهرين في إظهارهم ولا مطلوب الساترين في سترهم، كما يصدر اليوم من العرفاء. وذلك الإظهار إنما يحصل من غلبة الوحدة عليهم، والستر لا يكون إلا عند رجوعهم إلى أنفسهم وغلبة الكثرة عليهم. ولا بد أن يكون الأمر كذلك إلى أن يظهر خاتم الأولياء وينكشف الأمر على الكل.
(والشخص واحد) أي، والحال أن الفاجر المظهر هو الذي يستر ما أظهره و يكفر نفسه في زمان آخر. كما هو مشهور عن أبى يزيد في قوله: (لا إله إلا أنا، و (سبحاني ما أعظم شأني قد) فكيف إذا كان المظهر غيره قد كما أفتى الجنيد بقتل الحلاج، رضى الله عنهما. ويحار الناظر، إذ لو كان المظهر غير الساتر، ربما كان لم يقع الناظر في الحيرة.
((رب اغفر لي) أي، أسترني) أي، أستر ذاتي. (و استر من أجلى). أي، أستر صفاتي وكمالاتي من أجلى ليكون ذخيرة للآخرة. (فيجهل مقامي و قدري) على البناء للمفعول. أي، أستر كمالاتي لئلا يطلع الخلق على مقامي و قدري عندك فيحسدونني ويهلكوني كما (جهل قدرك في قولك و: (ما قدروا الله حق قدره).) ولما كان هذا أيضا مقاما من المقامات الإلهية، طلب الاتصاف به أيضا
(٥٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 531 532 533 534 535 536 537 538 539 541 542 ... » »»