يصيروا في باطنها) أي، دعا على أممه كلهم، العامة منهم والخاصة، بدعاء واحد يشملهم ليعطى الحق كلا منهم حقه، لأن الكافرين منهم من عرف الله وستره، و منهم من أنكره وجحد، فاختلف وجوههم، ولما كان الأمر كذلك، دعا عليهم بدعاء واحد يستر الخواص منهم، كما ستروا الحق عن أعين الأغيار، جزاء لهم، ويستر العوام المنكرين بالإفناء في وجوده وصفاته، ليتيقنوا الإلهية ويقروا بوحدانيته. ((من الكافرين) الذين (استغشوا ثيابهم).) أي، لا تذر على الأرض من الكافرين الذين ستروا بوجوداتهم وجود الحق وبصفاتهم صفاته وبأفعالهم أفعاله. ((وجعلوا أصابعهم في آذانهم)) وما قبلوا كلام الأنبياء ودعوتهم.
(طلبا للستر) أي، لأجل طلبهم منه ستر وجوداتهم وإفناء ذواتهم في وجوده وذاته، لتبقوا بالبقاء الأبدي. (لأنه (دعاهم ليغفر لهم) والغفر، الستر). تعليل لقوله: (طلبا للستر).
(ديارا) أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة). تتمة من الآية. أي، لا تذر أحدا في دياره، ودياره أنانيته ووجوده وما يصير به هو هو، حتى تعم المنفعة على أنواع الكافرين والساترين وجه الحق ووجوده بوجوههم، ووجودهم ليكون لكل منهم نصيب، ولا يحرم أحد منها، كما عمت الدعوة عليهم. ((إنك) إن (تذرهم) أي، تدعهم وتتركهم (يضلوا عبادك) أي، يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية). أي، إن تذرهم على حالهم يضلوا عبادك ويحيروهم فيك وفي ظهوراتك، فيخرجوهم من مقام عبوديتهم بإظهار أسرار الربوبية لهم، كما ظهر لنفوسهم، فيظهرون بالإنانية ويتفرعنوا بظهورهم بأنفسهم. (فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند نفوسهم عبيدا) فيدعون الألوهية، ويظهرون بالربوبية لغلبة مقام الوحدة عليهم وهم عبيد بالنسبة إلى تعيناتهم. ولا يجوز للعبد دعوى الربوبية مطلقا، لذلك يظهر شرف نبينا، صلى الله عليه وسلم، بقوله: (وأشهد أن محمدا عبده ورسوله). وقال عيسى: (إني عبد الله آتاني الكتاب والحكم والنبوة). قال الشيخ (رض): (الا تدعني إلا ب " يا عبدها "، فأنه أشرف أسمائي). (فهم العبيد الأرباب) أي، فهم حينئذ