علو المكانة. وقال في الملائكة: (أستكبرت أم كنت من العالمين). فجعل العلو للملائكة. فلو كان لكونهم ملائكة، لدخل الملائكة كلهم في هذا العلو، فلما لم يعم مع اشتراكهم في حد الملائكة، عرفنا أن هذا علو المكانة عند الله، وكذلك الخلفاء من الناس لو كان علو هم بالخلافة). أي، لو كان العلو الحاصل لهم بالخلافة. (علوا ذاتيا) أي، للطبيعة الإنسانية. (لكان لكل إنسان. فلما لم يعم، عرفنا أن ذلك العلو للمكانة) أي، أثبت علو المكانة للإنسان الكامل، الذي هو الخليفة الحقيقية للحق، وللخلفاء الذين يخلقونه في كل زمان إلى يوم القيامة، وأثبته للملائكة.
فلو كان لكونهم إنسانا، لكان ذلك لكل إنسان، ولو كان لكونهم ملائكة، لكان ذلك العلو لكل ملك، وليس كذلك، لخروج إبليس منها مع كونه ملكا بجعل الجنة من الملائكة في قوله: (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا). بعد قوله:
(فاستفتهم، ألربك البنات ولهم البنون؟ أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون؟) ولا شك أن إبليس من الجنة. فلما لم يكن كذلك، علمنا أنه اختصاص من عند الله كما قال: (يختص برحمته من يشاء). والأملاك العالون الملائكة التي وقعت في الصف الأول من الوجود. ومنهم المهيمة الذين لا شعور لهم بأن آدم وجد أو لم يوجد، إذ لا شعور لهم بذواتهم فضلا عن غيرهم. والعقل الأول والنفس الكلية منهم، (4) إلا أن الله تعالى لم يجعلهما مهيمين، لتدوين الوجود بهما (5) كما نبه الشيخ (رض) في فتوحاته. فمعنى الآية: أستكبرت أم صرت من العالمين، المهيمين الذين لا يسجدون لغير الله ولا يشعرون إلا بجمال الله. وهذا لا يناقض قوله:
(فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين). لأن الأمر إنما يتعلق بالعقلاء العالمين، فدخل في الأمر العقل الأول ومن دونه، فالإخبار منهم. وأيضا إذا سجد فرد واحد من حقيقة كلية، فقد حصل السجود من تلك الحقيقة أيضا، فكأن جميع أفرادها سجدوا (6)