شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٢٠
بالحقيقة. والآخر ليس بعارف كامل مع أنه من أهل الكشف والشهود، كما مر في (الفص الشيثي).
(و (ولده) وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري، والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتايج الأفكار إلا خسارا). إشارة إلى قوله تعالى: (قال نوح، رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا). أي، إنهم عصوني ولم يقبلوا منى ما يوجب المشاهدة والعيان، واتبعوا عقولهم ونظرهم الفكري الذي (لم يزده ماله) وهو علومهم العقلية، و (ولده) وهو نتايجهم الحاصلة من تركيب قياساتهم العقلية، (إلا خسارا) أي، ضياعا لرأس ما لهم من العمر و الاستعداد. وذلك لأن المقام مقام المشاهدة وهو فوق طور العقل، والعقل بفكره ونظره لا يصل إليه. فمن تصرف فيما جاءت الأنبياء به بعقله أو اعتقد أن الحكماء و العقلاء غير محتاجين إليهم، فقد خسر خسرانا مبينا.
((فما ربحت تجارتهم) فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم). أي، ما حصل لهم في هذه التجارة إلا ضياع العمر والاستعداد. فإنهم أفنوا رأس ما لهم فيما لا يمكن حصوله لهم، فزال عنهم ما كان في أيديهم من الاستعداد والآلات التي يمكن بها أن يعبدوا الحق ويتبعوا الأنبياء ليحصل لهم الكشف عن حقيقة الأمر. وكانوا يتخيلون أن ذلك ملك لهم، وما عرفوا أنه مستعار عندهم وملك للحق وسيرجع إليه. وأزال عنهم علم ما كان في نفس الأمر، لأنهم يتخيلون أنهم أدركوا الحقائق على ما هي عليه في نفس الأمر بعقولهم الضعيفة ونظرهم الفكرية، وحسبوا إنهم ملكوها وليس الأمر كذلك، فزال عنهم وفات علم الحقيقة.
(وهو في المحمديين) أي، ما كان في أيديهم من الملك هو ملك الله كما جاء في حق المحمديين، أو علم الحقيقة وانكشافها على ما هي عليه لله، كما جاء في حق المحمديين: ((وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه).) فأثبت الملك لنفسه، و جعل المحمديين خلفاء عليه، وأمر بالإنفاق والتصرف تصرف الخلفاء في ملك المستخلف. (وفي نوح: (ألا تتخذوا من دوني وكيلا). فأثبت الملك لهم والوكالة لله
(٥٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 515 516 517 518 519 520 521 522 523 524 525 ... » »»