شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥١٠
فقوله: (لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور). تعليل عن لسان المحجوبين والمكاشفين أيضا. لأن المكاشف لا يقدر على كشف تفصيل الوجود بأسرها ولا يعرف تسبيح كل منهم على التعيين إلا ما شاء الله، كما قال: (ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء). أي، لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور النوعية التي هي الملكوت في الأجسام وهي الناطقة والمسبحة لا غير.
(فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق، ولذلك قال: (الحمد لله رب العالمين).) أي، إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثنى والمثنى عليه. لما أسند الثناء والحمد إلى صور العالم وبين أن الحق روحها وليس المتصرف في الصورة إلا الروح، أنتج منها أن صور الكل ألسنة الحق، إذ باللسان يظهر النطق. والناطق والحامد هو الحق يثنى ويحمد بنفسه على نفسه في مقام تفصيله، كما حمد وأثنى على نفسه في مقام جمعه بقوله: (الحمد لله رب العالمين) (14) وفيه إشارة إلى أن الحمد في هذا المقام أيضا إنما هو باعتبار أعيان العالمين، لأن ربوبيته يقتضى المربوبين.
فإليه يرجع عواقب الثناء، أي، إذا حققنا الأمر، وجدنا أن الثناء منته إليه، بمعنى أنه هو الذي يثنى في هذه الألسنة على نفسه وهو المثنى عليه بالحقيقة، فهو المثنى والمثنى عليه، لا غير (15) شعر:
(فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا وإن قلت بالتشبيه كنت محددا) ظاهر مما مر.
(وإن قلت بالأمرين كنت مسددا وكنت إماما في المعارف سيدا) (16)

(14) - وما هو المسمى بالنداء الحقيقي يختص به تعالى وينعكس صوته في الملك والملكوت. وما هو النداء الحقيقي يقال له (الصداء) بكسر صاد، وما هو المستند إلى سكان العالم (صداء) بفتح الصاد. (ج) (15) - لأنه هو الذي أنطق كل شئ، أي، هو الناطق بلسان كل ناطق، وهو يسمع بسمع كل سميع، وكل سميع سامع باسمه (السميع). (ج) (16) - قوله: (وكنت إماما...) إشارة إلى قول الإمام على بن أبي طالب، الباب الأعظم لمدينة هذا العلم، حيث نفى التشبيه الصرف وتنزيه المحض بقوله: (لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين). وإلى هذا أشار الإمام جعفر الصادق، عليه السلام: (يخرجه عن الحدين:
حد التعطيل وحد التشبيه). (ج)
(٥١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 505 506 507 508 509 510 511 512 513 514 515 ... » »»