شهودا فقط، كسريان الحق فيها، فيدرك تسبيح الموجودات بذلك النور ويسمعه، كما قال عبد الله بن مسعود (رض): (ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام و هو يؤكل). وورد: (إن المؤذن يشهد له مدى صوته من رطب ويابس). وقال أمير المؤمنين، على بن أبي طالب، كرم الله وجهه: (كنت مع رسول الله بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله حجر ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله). وأمثاله كثيرة في الأحاديث الصحيحة. وقال الشيخ (رض) في آخر الباب الثاني عشر من الفتوحات: (فإن المسمى بالجماد والنبات عندنا لهم أرواح بطنت عن إدراك غير أهل الكشف إياها في العادة، فلا يحس بها مثل ما يحسها من الحيوان. فالكل، عند أهل الكشف، حيوان ناطق بل حي ناطق (13) غير أن هذا المزاج الخاص يسمى إنسانا لا غير. ونحن زدنا مع الإيمان بالإخبار الكشف. فقد سمعنا الأحجار تذكر الله، رؤية عين، بلسان نطق تسمعه آذاننا منها، وتخاطبنا مخاطبة العارفين بجلال الله مما ليس يدركه كل إنسان). وقال في موضع آخر منه: (وليس هذا التسبيح بلسان الحال، كما يقوله أهل النظر ممن لا كشف له. هذا شأن من تحقق بالمراتب الثلاث الأول. وأما صاحب المقام الرابع، فهو مسبح لربه بلسان تلك الحقائق وحامد له في تلك المراتب، فهو العبد التام لله، يعبده في كل موطن ومقام عبادة جميع العالم، ويحمده حمدهم. ويرى جميع ما يراه بالبصر والبصيرة عند تحققه بمقام الجمادية، ويسمع ما كان يسمع، ويعقل ما كان يعقل من غير خلل ونقصان. وفي هذا المقام يطوى الزمان والمكان. ويتصرف في جميع الأكوان تصرف النفوس في الأبدان، ويظهر في الحالة الواحدة في مراتب الأرواح النورانية والنفوس القدسية الروحانية والأجسام الكثيفة الظلمانية). ولهذه المراتب أسرار آخر غامضة جدا يحرم كشفها.
(٥٠٩)