يخلق هذا النوع الإنساني بل جميع الأنواع مخلوق منه، وبقوله: (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين). وذلك لأن للحقيقة الإنسانية مظاهر في جميع العوالم: فمظهره الأول في عالم الجبروت، هو الروح الكلى المسمى ب (العقل الأول) فهو آدم أول، و (حواه) النفس الكلية التي خلقت من ضلعه الأيسر الذي يلي الخلق، فإن يمينه هو الجانب الذي يلي الحق. وفي عالم الملكوت، هو النفس الكلية التي يتولد منها النفوس الجزئية الملكوتية، وحواه الطبيعة الكلية التي في الأجسام. وفي عالم الملك هو آدم أبو البشر.
قال الشيخ (رض) في الباب العاشر من الفتوحات: (فأول موجود ظهر من الأجسام الإنسانية كان آدم، عليه السلام، وهو الأب الأول من هذا الجنس). و قال في نقش الفصوص: (وأعنى بآدم وجود العالم الإنساني). فأراد بما قال في الفتوحات ونقش الفصوص، آدم عالم الملك، إذ به يتحقق وجود العالم الإنساني أولا. ونبه هنا على آدم، عالم الجبروت والملكوت الذي هو الخليفة أزلا وأبدا، تنبيها للمتكلمين وإرشادا للطالبين.
(وهو قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء).) الضمير عائد إلى المعنى الذي ذكره من قوله: (فآدم هو النفس الواحدة) إلى آخره. أي، هذا المعنى المذكور هو معنى قوله تعالى: (يا أيها الناس...) - الآية. ومعناها بالنسبة إلى عالم الجبروت:
(اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة). أي، من عين واحدة، هو العقل الأول. (وخلق منها زوجها) التي هي النفس الكلية. (وبث منهما رجالا كثيرا و نساء) أي عقولا ونفوسا مجردة. وبالنسبة إلى عالم الملكوت: خلقكم من ذات واحدة، هي النفس الكلية، وخلق منها زوجها، أي الطبيعة الكلية، وبث منهما رجالا كثيرا، وهي النفوس الناطقة المجردة، ونساء، وهي النفوس المنطبعة، و باقي القوى. وبالنسبة إلى عالم الملك فظاهر.
(فقوله: (اتقوا ربكم) أي، اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم واجعلوا ما بطن منكم وهو ربكم وقاية لكم. فإن الأمر ذم وحمد، فكونوا ذا وقاية في الذم، و