شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٤٠٨
أن أوجد آدم وجعله متصفا بصفاته وخليفة في ملكه، أطلعه على ما أودع في حقيقته من المعارف والأسرار الإلهية، كما قال: (وعلم آدم الأسماء كلها). و جعل ذلك المودع في قبضتيه، أي، في ظهوري الحق وتجلييه بالقدرة لإيجاد العالم الكبير مرة والصغير أخرى، أو في عالميه الكبير والصغير، (160) لأنه قد يقال (القبضة) ويراد بها المقبوض. قال الله تعالى: (والأرض جميعا قبضته). أي، مقبوضة مسخرة في يد قدرته. القبضة الواحدة فيها العالم، أي، أعيان الموجودات على سبيل التفصيل، وفي القبضة الأخرى آدم وبنوه المشتمل على كل من الموجودات على الإجمال. والمراد بهما (اليدان) المعبر عنهما بالصفات الفاعلية و القابلية: فالعالم هو اليد القابلة، وآدم هو اليد الفاعلة المتصرفة في القابلة. و قوله: (وبين مراتبهم فيه) أي، مراتب بنى آدم في آدم المشتمل عليهم، كما قال في الحديث: (إن الله مسح بيده ظهر آدم وأخرج بنيه مثل الذر). - الحديث. و يجوز أن يعود ضمير (فيه) إلى الحق. أي، بين مراتبهم في الحق. والأول أولى.
(ولما أطلعني الله تعالى في سرى على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر، جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي، لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن).
(الوالد الأكبر) وآدم الحقيقي الذي هو الروح المحمدي، و (الوالد الكبير) هو آدم أبو البشر.
وإنما قال: (فإن ذلك لا يسعه كتاب) إلى آخره. لأن الكمالات الإنسانية هي مجموع كمالات العالم بأسره مع زيادة تعطيها الحضرة الجامعية والهيئة الاجتماعية، فلو يكشفها كلها، لا يسعها كتاب ولا يسعها أهل العالم بحسب الإدراك، لقصورهم وعجزهم عن إدراك الحقائق على ما هي عليه.
(فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله، صلى الله عليه و سلم:

(١٦٠) - قوله: (في ظهوري الحق). هذا بحسب انتسابهما إلى الحق، فعبر بالظهور والتجلي. و قوله: (في عالميه الكبير والصغير) بحسب الوجهة اليلي الخلقي وانتسابهما إلى الخلق، وإن كان الظاهر والمظهر لا يفترقان إلا بالاعتبار. (الإمام الخميني مد ظله)
(٤٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 403 404 405 406 407 408 409 410 411 413 414 ... » »»