اجعلوه وقايتكم في الحمد، تكونوا أدباء عالمين). لما استشهد بالآية، ذكر مطلعها و علم السالك التأدب بين يدي الله تعالى لتزداد نوريته ولا يقع في مهالك الإباحة.
فإن توحيد الأفعال يقتضى إسناد الخير والشر إلى الله تعالى. فالسالك إذا أسندهما إليه قبل زكاء النفس وطهارتها، يقع في الإباحة، وبعد طهارتها، يكون مسيئا للأدب بإسناد القبائح إليه. ولكون (الاتقاء) مأخوذا من (وقى، يقي) كما يقال:
وقيته وقاء فاتقى. أي، إتخذ الوقاية. فسر (اتقوا) بقوله: (إجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم) أي، آلة الوقاية، كما قال تعالى: (خذوا حذركم). أي آلة الحذر، كالترس وغيره من السلاح.
فالمراد ب (ما ظهر) هو الجسد مع النفس المنطبعة فيه. أي، انسبوا النقائص إلى أنفسكم لتكونوا وقايته في الذم. واجعلوا ما بطن منكم، وهو الروح الذي يربكم وقاية لكم في الحمد، أي، انسبوا الكمالات إلى ربكم، كما قال عن لسان الملائكة: (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا). وعند نسبة الكمالات إلى الله تعالى يكون لكم الخلاص من ظهور إنياتكم وأنفسكم، ولا يكون للشيطان عليكم سلطان.
وإنما جعل الظاهر وقاية للباطن في الذم، والباطن وقاية للظاهر في الحمد، وأثبت الربوبية للباطن: فإن الظاهر من حيث النفس المنطبعة منبع النقائص و محل التصرفات الشيطانية، وهو عبد مربوب أبدا. والباطن منبع الأنوار ومرأة التجليات الرحمانية، فله ربوبية من حيث اتصافه بالكمالات وإن كان له عبودية من حيث إنه يستفيض من الرب المطلق دائما. فلا يقال، إنه جعل الرب آلة الاتقاء، لأن المتقى اسم مفعول. لأن الباطن الذي جعله آلة الاتقاء هو عبد من وجه. وأيضا، جعل الباطن تارة آلة الاتقاء والظاهر متقى، وأخرى الظاهر آلة الاتقاء والباطن متقى. والظاهر والباطن كلاهما حق، فهو المتقى والمتقى به، كما قال، عليه السلام: (أعوذ بك منك).
(ثم، إنه تعالى أطلعه على ما أودع فيه) أي، آدم. (في قبضتيه: القبضة الواحدة فيها العالم، وفي القبضة الأخرى آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه). أي، بعد