شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٣٩٩
أو استدراك من قوله: (فأوجد العالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا). أي، العالم متصف بصفاته، إلا بالوجوب الذاتي الذي لوجود الحق. (فلا يدركه أبدا) أي، فلا يدرك العالم الحق أبدا من حيث وجوبه الذاتي، لأن المدرك ما يدرك شيئا بالذوق والوجدان إلا بما فيه منه، وليس له حظ في الوجوب الذاتي، فلا نسبة بينهما. (فلا يزال الحق من هذه الحيثية) أي، من حيث الوجوب الذاتي. (غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك). وإنما قيد بقوله: (علم ذوق وشهود) لأن الذوق والشهود يقتضى اتصاف الذائق بما يذوقه حالا، بخلاف العلم التصوري، فإنه بمجرد الاطلاع على الوجوب الذاتي وماله ذلك، يقدر على الحكم بأنه متصف به.
(فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا) أي، ما جمع الله في خلق آدم بين يديه اللتين يعبر عنهما بالصفات الجمالية والجلالية إلا تشريفا وتكريما، كما قال: (و لقد كرمنا بنى آدم وحملنا هم في البر والبحر). فصار جامعا لجميع الصفات الإلهية وكانت عينه متصفة بجميع الصفات الكونية، فحصل عنده جميع الأيادي المعطية والأخذية. (ولهذا قال لإبليس: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي؟) و ما هو) أي، وليس ذلك التشريف أو ليس ذلك الخلق. (إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم) وهي الحقائق الكونية. (وصورة الحق) وهي الحقائق الإلهية. (وهما يدا الحق).
وإنما جعل صورة العالم (يدا الحق) لأنهما مظاهر الصفات والأسماء، لذلك عبر عن الصفات الجمالية والجلالية باليدين كما مر. وعبر هنا عن الصورتين ب‍ (اليدين) تنبيها على عدم المغايرة بينهما في الحقيقة إلا في الظاهرية والمظهرية. و أيضا، لما كان الفاعل والقابل شيئا واحدا في الحقيقة ظاهرا في صورة الفاعلية تارة والقابلية أخرى، عبر عنهما باليدين: فيمنا هما الصورة الفاعلية المتعلقة بحضرة الربوبية، ويسرا هما الصورة القابلية المتعلقة بحضرة العبودية، ويجمع المعنيين تفسيرهما بالصفات المتقابلة.
(وإبليس جزء من العالم، لم تحصل له هذه الجمعية) لأنه مظهر اسم
(٣٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 394 395 396 397 398 399 400 401 402 403 404 ... » »»