شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٣٩٧
الظلمانية والنورية، كما قال: (إن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة، لو كشفها، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه). ولما كانت الأجسام الطبيعية مظاهر لصفات تستر الذات سترا لا تكاد تظهر بها، جعلها حجبا ظلمانية للذات بقوله: (وهي الأجسام الطبيعية). وكذلك جعل الأرواح حجبا نورانية مع أنها حجب هي مظاهر للصفات المظهرة للذات بوجه، (150) كما أنها ساتره لها بوجه. ألا ترى أن الشعاع وإن كان يستر الشمس لكن يدل عليها ويظهرها أيضا.
(فالعالم بين لطيف وكثيف) أي، كما أن الحق موصوف بالحجب الظلمانية والنورانية، كذلك العالم موصوف بالكثافة واللطافة، فهو دائر بين الكثيف و اللطيف. (وهو عين الحجاب على نفسه) أي، العالم هو عين الحجاب على نفسه، أي، تعينه وإنيته التي بها تميز عن الحق وتسمى بالعالم هو عين حجابه، فلو رفعت الإنية (151) ينعدم العالم. وإليه أشار الحلاج (رض) بقوله:
(بيني وبينك إني ينازعني * فارفع بلطفك إنيي من البين).
ويجوز أن يعود الضمير إلى الحق. أي، الحق من حيث أنواره عين الحجاب على نفسه كما قيل: (وليس حجابه إلا النور ولا خفاؤه إلا الظهور).
(فلا يدرك الحق إدراكه لنفسه) أي، فلا يدرك العالم الحق كما يدرك نفسه ذوقا ووجدانا، لأن الشئ لا يدرك غيره بالذوق إلا بحسب ما فيه منه، وليس في العالم، من حيث إنه عالم وسوى، إلا الحجب النورانية والظلمانية، فلا يدرك

(150) - ومن الحجب النورانية الأسماء والصفات الظاهرة في التجليات الأسمائية، وأن الذات لا يزال محتجبة بالصفات. وخرق هذه الحجب يختص بالكمل من المحمديين، و قال على، عليه السلام: (كمال التوحيد نفى الصفات عنه). وقال أيضا: (الحقيقة محو الموهوم وصحو المعلوم). (ج) (151) - أي، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه إلا الكامل الذي بلغ إلى مقام لا يقبل الاحتراق ويصير مظهرا للتجلي الذاتي، أي، الله الذاتي لا الأسمائي.
(٣٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 ... » »»