شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٣٨٣
حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم، فصار كل واحد محكوما به (119) ومحكوما عليه) تصريح بالمقصود، وهو بيان الارتباط بين الأشياء العينية والأمور الغيبية التي لا أعيان لها، وإذا كان الارتباط بينهما حاصلا، فالارتباط بين الحق والعالم الموجودين في الخارج أقوى وأحق. وفحواه ظاهر.
لا يقال: إن الذهن يحكم على من قام به العلم بأنه عالم لا العلم، فكيف أسند الحكم إليه؟
لأنا نقول: حكم الذهن أيضا تابع لحكم العلم، إذ لو لم تعط حقيقة العلم عند المقارنة بينهما ذلك، لما جاز للذهن أن يحكم به، لأن حكمه إن لم يكن مطابقا للواقع فلا اعتبار به، وإن كان مطابقا، يلزم أن يكون الأمر في نفسه كذلك.
(ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة) أي، موجودة في العقل (فإنها معدومة في العين) أي، في الخارج، إذ لا ذات في الخارج يسمى بالحياة و العلم (موجودة الحكم) أي، على الأعيان الموجودة. (كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني) أي، كما يحكم الموجودات عليها بالحدوث والقدم، و بأنها عين الذات أو غيرها. (فتقبل الحكم من الأعيان الموجودة و لا تقبل التفصيل ولا التجزي، فإن ذلك محال عليها) أي، تقبل تلك الأمور الكلية الحكم من الموجودات العينية حال كونها عارضة عليها، ولا تقبل التفصيل ولا التجزي. و ذلك لأن الحقيقة الكلية إن انقسمت، ففي كل من أقسامها: إن بقيت بأعيانها، فلا انقسام كالإنسانية في كل شخص، وإن بقيت دون عينها، فعين تلك الحقيقة منعدمة حينئذ لانعدام بعضها، وإن لم يبق فكذلك أيضا. هذا مع أن الحقيقة البسيطة لا يمكن أن يطرء عليها التجزي أصلا.
(فإنها بذاتها في كل موصوف بها، كالإنسانية في كل شخص شخص من هذا

(119) - أي، كل واحد من المعقولات الكلية والموجودات العينية محكوما به، أي شيئا يحكم بسببه، لأن المحكوم به في قوله: (علم الحق سبحانه قديم) هو القديم، لا الموجود العيني الذي هو الحق، لكن الحكم بالقدم على العلم إنما هو بسببه. كما لا يخفى. (جامى)
(٣٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 377 379 380 381 382 383 384 385 386 387 388 ... » »»