شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٣٦٩
مع الحق، فما قالوه في حق آدم من النقص والمخالفة هو عين ما هم فيه مع الحق، إذ ليس ذلك النقصان المنسوب إلى آدم إلا المنازعة والمخالفة للحق، وهو، أي ذلك النقصان، عين ما وقع منهم حالة الطعن فيه.
(فلو لا أن نشأتهم تعطى ذلك، ما قالوا في حق آدم ما قالوه، وهم لا يشعرون) أي، فلو لا أن نشأتهم التي حجبتهم عن معرفة مرتبة آدم تعطى ذلك النزاع، ما قالوا في حق آدم ما قالوه، وهم لا يشعرون إن استعداداتهم وذواتهم يقتضى ذلك الذي نسبوا إلى آدم، كما قيل: (كل إناء يترشح بما فيه).
وهذا تنبيه على أن الملائكة التي نازعوا في آدم ليسوا من أهل الجبروت، ولا من أهل الملكوت السماوية، فإنهم لغلبة النورية عليهم وإحاطتهم بالمراتب يعرفون شرف الإنسان الكامل ورتبته عند الله وإن لم يعرفوا حقيقته كما هي، بل الملائكة الأرض والجن والشياطين الذين غلبت عليهم الظلمة والنشأة الموجبة للحجاب وفي قوله: (إني جاعل في الأرض خليفة). بتخصيص (الأرض) بالذكر، و إن كان الكامل خليفة في العالم كله في الحقيقة، إيماء أيضا بأن ملائكة الأرض هم الطاعنون، إذ الطعن لا يصدر إلا ممن هو في معرض ذلك المنصب، وأهل السماوات مدبرات للعالم العلوي بالقصد الأولى، وللسفلى بالقصد الثاني. وإذا حققت الأمر وأمعنت النظر، تجدهم في هذه النشأة الإنسانية أيضا أنهم هم المفسدون - كما قال الله: (ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون). ألا ترى أن القوة الشهوية والغضبية هما ملكان من ملائكة الأرض، هما اللتان تغلبان على النفس الناطقة ويجعلان لها أسيرا منقادا لأفاعيلهما وأغراضهما، وعند ذلك تصير النفس (أمارة بالسوء) فهم المفسدون في الحقيقة. وكون السفك والفساد صادرا من القوى الجسمانية لا الروحانية القلبية، دليل واضح على ما ذهبنا إليه من أن أهل الجبروت والملكوت السماوية لا يتنازعون مع الحق ولا يخالفون أمره ونهيه، إذ القوى الروحانية والقلبية لا يتأتى منهم ما يخالف أمر الله، فافهم (84)

(84) - إشارة إلى إنها نفس أمر الله، والأمر لا يخالف الأمر، فليتأمل. (ج)
(٣٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 ... » »»