شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٣٦٤
قوله: (فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، وانظر من أين أتى (75) على من أتى عليه) تنبيه للسالك بالتأدب بين يدي الله تعالى وخلفائه والمشايخ والعلماء والمؤمنين، لئلا يظهر بالأنانية وإظهار العلم والكمال عندهم، لأنه يسلك للفناء. وذلك لا يحصل إلا برؤية ما لغيره من الكمال وعدم رؤية ما لنفسه لا بالعكس. وفيه أقول:
تعلم من العينين إن كنت عاقلا * شهود جمال الغير عند التواصل ولا تك كالطاووس يعشق نفسه * ويبقى ملوما عند كل الكوامل أي، وعظك الله بزجره للملائكة بقوله: (إني أعلم مالا تعلمون). و (أتى) مبنى للمفعول. يقال: أتاه وأتى به وأتى عليه. وإنما جاء هنا ب‍ (على) لأنه في معرض التوبيخ والزجر، كأنه قال: وانظر من أين هلك من هلك.
قوله: (فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذه الخليفة ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية) بيان سبب وقوع الملائكة في التوبيخ. و ليس (الوقوف) هنا بمعنى الشعور والاطلاع وإلا كان الواجب أن يقول: على ما يعطيه. فإنه تعدى ب‍ (على). بل بمعنى الثبوت. فمعناه: أن الملائكة ما قنعت ولا وقفت مع ما أعطته مرتبة هذه الخليفة أزلا، بحسب نشأته الروحانية، مما هي عليه من التسبيح والتهليل والكمال اللائق بها، بل تعدت عنه وطلبت الزيادة

(75) - قوله: (أتى) مبنى للمفعول. يقال: أتاه وأتى به وأتى عليه. ولا يستعمل مبنيا للمفعول إلا في المكاره. يريد الشيخ إتيان المعاتبة وتوجه المطالبة من قبل الحق سبحانه، على الملائكة في اعتراضهم على الحق وجرحهم لآدم، عليه السلام، وتزكيتهم أنفسهم. ثم، اعلم أن هيهنا أمورا ثلاثة: أحدها، نشأة هذه الخليفة، وثانيها، حضرة الحق الذي أراد أن يجعله خليفة، وثالثها، نشأة الملائكة الذين شاورهم في هذا الجعل. والوقوف مع كل واحد من هذه الأمور والعمل بما يقتضيه يمنع من الاعتراض على جعله خليفة. فأراد الشيخ أن ينبه على أن منشأ اعتراض الملائكة المفضى إلى هذه المعاتبة والمطالبة هو عدم وقوفهم مع واحد من هذه الأمور والعمل بمقتضاه. (جامى)
(٣٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 ... » »»