قوله: (فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، وانظر من أين أتى (75) على من أتى عليه) تنبيه للسالك بالتأدب بين يدي الله تعالى وخلفائه والمشايخ والعلماء والمؤمنين، لئلا يظهر بالأنانية وإظهار العلم والكمال عندهم، لأنه يسلك للفناء. وذلك لا يحصل إلا برؤية ما لغيره من الكمال وعدم رؤية ما لنفسه لا بالعكس. وفيه أقول:
تعلم من العينين إن كنت عاقلا * شهود جمال الغير عند التواصل ولا تك كالطاووس يعشق نفسه * ويبقى ملوما عند كل الكوامل أي، وعظك الله بزجره للملائكة بقوله: (إني أعلم مالا تعلمون). و (أتى) مبنى للمفعول. يقال: أتاه وأتى به وأتى عليه. وإنما جاء هنا ب (على) لأنه في معرض التوبيخ والزجر، كأنه قال: وانظر من أين هلك من هلك.
قوله: (فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذه الخليفة ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية) بيان سبب وقوع الملائكة في التوبيخ. و ليس (الوقوف) هنا بمعنى الشعور والاطلاع وإلا كان الواجب أن يقول: على ما يعطيه. فإنه تعدى ب (على). بل بمعنى الثبوت. فمعناه: أن الملائكة ما قنعت ولا وقفت مع ما أعطته مرتبة هذه الخليفة أزلا، بحسب نشأته الروحانية، مما هي عليه من التسبيح والتهليل والكمال اللائق بها، بل تعدت عنه وطلبت الزيادة