ما دام فيه هذا الإنسان الكامل) تعليل لتسميته بالخليفة (62) وذلك لأن الملك إذا أراد أن يحفظ خزائنه عند غيبته عنها، يختم عليها لئلا يتصرف فيها أحد فيبقى محفوظة، فالختم حافظ لها بالخلافة لا بالأصالة، فكذلك الحق يحفظ خلقه بالإنسان الكامل عند استتاره بمظاهر أسمائه وصفات عزه، وكان هو الحافظ لها قبل الاستتار والاختفاء وإظهار الخلق، (63) فحفظ الإنسان لها بالخلافة، فسمى ب (الخليفة) لذلك.
وحفظه للعالم عبارة عن إبقاء صور أنواع الموجودات على ما خلقت عليها الموجب لإبقاء كمالاتها وآثارها باستمداده من الحق التجليات الذاتية والرحمة الرحمانية والرحيمية بالأسماء والصفات التي هذه الموجودات صارت مظاهرها و محل استوائها، إذ الحق إنما يتجلى لمرآة قلب هذا الكامل، فينعكس الأنوار من قلبه إلى العالم، فيكون باقيا بوصول ذلك الفيض إليها، فما دام هذا الإنسان موجودا في العالم يكون محفوظا بوجوده وتصرفه في عوالمه العلوية والسفلية. فلا يجسر أحد من حقائق العالم وأرواحها على فتح الخزائن الإلهية والتصرف فيها إلا بإذن هذا الكامل، لأنه هو صاحب الاسم الأعظم الذي به يرب العالم كله، فلا يخرج من الباطن إلى الظاهر معنى من المعاني إلا بحكمه، ولا يدخل من الظاهر في الباطن شئ إلا بأمره، وإن كان يجهله عند غلبة البشرية عليه، فهو البرزخ بين البحرين والحاجز بين العالمين. وإليه الإشارة بقوله: (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان) (64)