فرأى جيفة ملقاة. فقال: (ما أشد بياض أسنانه) (20) (هذا قد يكون. وأما رفع الخبث من العالم، أي من الكون، فإنه لا يصح.) لأن الطبائع مختلفة: فما يلائم طبيعة هو عندها طيب، وما لا يلائمها فهو عندها خبيث. والخبيث عند طبيعة أخرى يلائمها طيب. فإن لعاب فم الإنسان طيب عنده، سم بالنسبة إلى الحية، وكذا سم الحية سبب الحياة عندها، قاتل بالنسبة إلى الإنسان. والعسل نافع بالنسبة إلى مزاج المبرودين كالمشايخ، ضار بالنسبة إلى مزاج المحرورين كالشبان، فلا يمكن رفعه من الكون. فأما أعيان الأشياء و ذواتها لكونها راجعة إلى عين الذات الإلهية فليس شئ منها خبيثا.
(ورحمة الله في الخبيث والطيب.) أي، ورحمة الله حاصلة فيهما. ولو لا تلك الرحمة، لما وجد شئ منهما، إذ الوجود عين الرحمة.
(والخبيث عند نفسه طيب، والطيب عنده خبيث.) لأن الشئ لا يحب إلا نفسه وما يناسبه، لا ما يضاده.
(فما ثمة شئ طيب إلا وهو من وجه في حق مزاج ما خبيث، وكذلك بالعكس.) كما مر.
(وأما الثالث الذي به كملت الفردية فالصلاة.) (21) وفيه إيماء بقوله، صلى الله عليه وسلم: (حبب إلى من دنياكم ثلاث: النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة). تقديره: النساء والطيب والصلاة، وجعلت قرة عيني في الصلاة. وحذف الثالث اكتفاء بذكر ما بعده.
(فقال: (وجعلت قرة عيني في الصلاة) لأنها مشاهدة.) أي، لأنها سبب المشاهدة ومشاهدة المحبوب قرة عين المحب.
(وذلك لأنها مناجاة بين الله وبين عبده كما قال تعالى: (فاذكروني أذكركم))