شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٨٠
أعاقب). - الحديث. و (العقل) المذكور هو روحه المشار إليه بقوله: (أول ما خلق الله نوري).
(فأعطاه رتبة الفاعلية) بأن جعله خليفة للعالم، متصرفا في الوجود العيني، معطيا لكل من أهل العالم كماله.
ولما كان كلامه (ص) في الطيب، جعل ذلك التصرف في عالم الأنفاس ، فقال: (في عالم الأنفاس التي هي الأعراف الطيبة، فحبب إليه الطيب، فلذلك جعله) رسول الله، صلى الله عليه. (بعد النساء.) المراد ب‍ (عالم الأنفاس) هو عالم الأرواح المؤثرة بأنفاسهم في الوجود الظاهري، وب‍ (الأعراف الطيبة) الروائح الطيبة الوجودية. ولما كانت الأرواح مبادئ للموجودات الشهادية التي تحملها الطبيعة الكلية الروحانية، صارت موصوفة ب‍ (الأعراف الطيبة). و هي الروائح الوجودية للأعيان الأزلية العلمية. ولكون هذه الروائح حاصلة بعد وجود الطبيعة التي هي أم بالنسبة إلى الكل، جعل الطيب بعد ذكر النساء.
(فراعى الدرجات التي للحق في قوله: (رفيع الدرجات ذو العرش) لاستوائه عليه باسمه (الرحمن).) أي، فراعى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هذا الترتيب: الدرجات الإلهية والمراتب الكلية التي للحق المشار إليها في قوله:
(رفيع الدرجات ذو العرش). وذلك لأن أول ما وجد هو العقل الأول، وهو آدم الحقيقي، ثم النفس الكلية، منها وجدت النفوس الناطقة كلها، وهي حواء ثم الطبيعة التي بواسطتها ظهر الفعل والانفعال في الأشياء، ثم الهيولى الجسمية، ثم الجسم الكلى، ثم الفلك الأطلس الذي هو العرش الكريم، ثم الكرسي، ثم العنصريات من السماوات والأرض، على ما مر من أن السماوات متولدة من (دخان) الأرض، ثم حصلت المواليد الثلاث، وتم الملك والملكوت.
وهذه الحقائق كلها درجات إلهية ومراتب رحمانية، تقدمت عليها النفس الكلية، وبالتنزل إلى المرتبة الجسمية حصل الاستواء الرحماني. فالروح المحمدي الذي هو المظهر الرحماني هو الذي استوى على العرش، فتعم رحمته على العالمين. كما قال: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
(١١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1175 1176 1177 1178 1179 1180 1181 1182 1183 1184 1185 ... » »»