شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٨٢
للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات)) لأن الطيب ماله الطيب، فشهد الحق فيها بأنها طيبة ونفى الخبث عنها بقوله: ((أولئك مبرؤون مما يقولون)) لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، أطيب الطيبين، وعائشة وباقي أزواج النبي، عليه السلام، أطيب الطيبات.
وإنما قلنا إنه أطيب الطيبين ونساؤه أطيب الطيبات، لأن الأفراد الإنسانية من حيث إن كلا منها إنسان، ليس فيها خبث، بل كلها طيب بالطيب الذاتي، لأن كلا منها مخلوق بيديه وحامل لما عنده من الصفات الإلهية. وكون بعضها طيبا بالطيب الصفاتي، وبعضها خبيثا، إنما هو باتصاف البعض بالكمالات، والبعض الآخر بالنقائص، ولا شك أن أكمل الأفراد الإنسانية من الرجال هو النبي، وأكملها من النساء أزواجه، وإذا كان كذلك، فأولئك مبرؤون عما يقول الظالمون فيهن.
(فجعل روائحهم) أي، روائح الطيبين، يعنى، لوازمهم من الصفات والأفعال طيبة وأقوالهم صادقة، وروائح الخبيثين خبيثة وأقوالهم كاذبة.
(لأن القول نفس، وهو عين الرائحة) المراد ب‍ (الرائحة) هنا اللازم، إذ الرائحة كيفية من الكيفيات الوجودية، لازمة للجوهر الذي عرضت فيه. وإنما جعل (النفس) عين الرائحة، لأنه لازم لوجود المتنفس، كما أن الرائحة لازمة لمحلها.
ولما استعار لفظة (الرائحة) على لوازم وجوداتهم والرائحة لا تدرك إلا بواسطة الهواء شبه اتصافها بالطيب والخبيث بمرور الرائحة واتصافها بأحكام ما مر عليه بواسطة الهواء ترشيحا للاستعارة، فقال: (فيخرج بالطيب وبالخبيث على حسب ما يظهر به في صورة النطق) أي، فيخرج النفس من الطيب بسبب أنه طيب في صورة النطق طيبا، ومن الخبيث بواسطة أنه خبيث في صورة نطقه خبيثا. فقوله: (في صورة النطق) متعلق بقوله: (فيخرج).
(فمن حيث هو إلهي) أي، فمن حيث إن النفس منسوب إلى الله، (بالأصالة، كله طيب، فهو طيب،) أي، فالقول: كله طيب، لأنه صفة
(١١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1177 1178 1179 1180 1181 1182 1183 1184 1185 1186 1187 ... » »»