شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٨٣
من الصفات الكمالية الإلهية.
(ومن حيث ما يحمد ويذم، فهو طيب وخبيث.) أي، ومن حيث إن القول بعضه محمود وبعضه مذموم، ينقسم بالطيب والخبيث ويوصف بهما.
(فقال في خبث الثوم: هي شجرة خبيثة أكره ريحها. ولم يقل: أكرهها. فالعين لا تكره، وإنما يكره ما يظهر منها. والكراهة لذلك) أي، لما يظهر منها: (إما عرفا، أو بعدم ملائمة طبع، أو غرض، أو شرع، أو نقص) أي، بسبب شرع أو بسبب نقص (عن كمال مطلوب وما ثم غير ما ذكرناه.) للاختلاف بحسب الطبائع والأغراض والشرائع قد يكون الشئ محمودا بالنسبة إلى البعض ومذموما بالنسبة إلى الآخر، حراما في شرع، حلالا في آخر، كمالا بالنسبة إلى شئ، نقصانا بالنسبة إلى الآخر.
(ولما انقسم الأمر إلى خبيث وطيب - كما قررناه - حبب إليه الطيب دون الخبيث ووصف النبي، صلى الله عليه، الملائكة بأنها تنادي بالروائح الخبيثة لما في هذه النشأة العنصرية من التعفين.) ولما كان الإنسان مخلوقا من النشأة العنصرية و فيه شئ من التعفين، قال: (فإنه) أي، فإن الإنسان (مخلوق من (صلصال من حمأ مسنون). أي، متغير الريح. فتكرهه الملائكة بالذات) أي، فتكره الملائكة الإنسان المتغير الريح الذي هو الخبيث بذواتهم، لطهارة نشأتهم عن العفونات والفضلات المنتنة. ولذلك أمرنا بطهارة الثوب والبدن ودوام الوضوء.
واستحب استعمال الروائح الطيبة لتحصل المناسبة بيننا وبين الملائكة، فتلحق بالطيبن (كما أن مزاج الجعل يتضرر برائحة الورد، وهي من الروائح الطيبة، فليس ريح الورد عند الجعل بريح طيبة. ومن كان على مثل هذا المزاج معنى وصورة، أضر به الحق إذا سمعه، وسر بالباطل) (وهو) أي، هذا المعنى المذكور (قوله:
(والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله). ووصفهم بالخسران فقال: (أولئك هم الخاسرون الذين خسروا أنفسهم) فإنه من لم يدرك الطيب من الخبيث) أي، من لم يدرك المعنى الطيب الذي هو مدرج في الخبيث وباطن فيه ولم يميز بينهما (فلا إدراك له.)
(١١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1178 1179 1180 1181 1182 1183 1184 1185 1186 1187 1188 ... » »»