شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٩٦
كان عالما عارفا، لعرف الله في كل الصور والعقائد. ف‍ (كل) مبتدأ، (فهو ظان) خبره.
ويجوز أن يكون معطوفا على قوله: (في كل صورة). أي عرف الله في كل صورة وكل عقيدة. فيفتح (القاف).
(فلذلك قال تعالى: (أنا عند ظن عبدي بي). أي، لا أظهر له إلا في صورة معتقده: فإن شاء أطلق.) وعبد الإله المطلق الظاهر في كل المظاهر والمجالي. (و إن شاء قيد) بصورة معينة يعطيها استعدادها. (فإله المعتقدات تأخذه الحدود.) لأنه مقيد معين. (وهو الإله الذي وسعه قلب عبده، فإن الإله المطلق لا يسعه شئ، (27) لأنه عين الأشياء وعين نفسه، والشئ لا يقال فيه يسع نفسه، ولا لا يسعها.
فافهم ذلك. والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.) أي، القلب لما كان معينا مقيدا مكتنفا بعوارض تعينه وحدود تشخصه، لا يدرك إلا مثله، ولا يسعه إلا ما هو معين محدود مثله. والإله المطلق جل عن الحدود وعز عن الإحاطة، فلا يسعه شئ. فكيف يسعه وهو عين الأشياء، ولا شئ غيره؟ ولا يوصف الشئ بأنه يسع لنفسه، ولا بأنه لا يسعها. فافهم ترشد.
لا يقال قوله: (فإن الإله المطلق لا يسعه شئ). يناقض ما ذكره من قبل من أن قلب العارف يسع الحق. لأن ذلك بحسب التجلي، والتجلي أبدا لا يكون إلا على قدر استعداد المتجلى له، والمتجلى له عين مقيد، فلا يمكن أن يتجلى له الحق المطلق من حيث إطلاقه، إذ هذا النوع من التجلي لا يبقى للمتجلى له وجودا و تعينا، للمنافاة بينهما.
ولا يمكن أن يتجلى لشئ بجميع أسمائه وصفاته دفعة - وهذا هو المراد - و إن كان قلب الكامل العارف قابلا لجميع التجليات الأسمائية، لكن لا يتجلى له الحق دفعة بالجميع، ولا له قابلية ذلك.

(27) - أي كون القلب يسع الحق إنما يكون على قدر استعداد المتجلى له. (ج)
(١١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1187 1188 1189 1190 1191 1192 1193 1194 1195 1196 1197 » »»